تعلمه ، وزمن الجهل هو النسيان لأنه يقابل التذكر.
ويمكن ـ كأطروحة أخرى ـ أن نحمل التذكر على نظرية (المثل) لأفلاطون. بأن الروح تنزل في الجنين فيوجد الإنسان : فيكون ناسيا لعالم الروح ، فإذا تكامل تذكر ما نسيه. ويدعم ذلك قصيدة ابن سينا التي يبدأها بقوله عن الروح : هبطت إليك من المحل الأرفع ... إلى عدة أبيات.
وهنا لا بد أن لا نخلط بين النظريتين : نظرية المثل ونظرية التذكر ، فإننا وإن سمينا العالم الأعلى بعالم المثل ، إلّا أنه ليس تعبيرا دقيقا. وإنما نظرية المثل تحتوي على افتراض وجود فرد مثالي في العالم الأعلى جامع لكل صفات النوع وفاقد لكل سيئاته ونواقصه. وهو المسمى برب النوع. وهذا المعنى لم تثبت صحته.
ولكن ما قاله من أن الأرواح موجودة قبل الأجسام هي نظرية محترمة جدا ، وقد ورد : أن الأرواح جند مجندة.
وقد ورد في القرآن الكريم (١) : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ). الذي يدل على أن آدم عليهالسلام ، كان موجودا هو وذريته لا بأجسامهم بل بأرواحهم. والله تعالى كشف لآدم ذريته إلى يوم القيامة دفعة واحدة.
فقوله : (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) ، يراد به أن الإنسان في هذه الدنيا يكون ناسيا للعالم الآخر الذي كان فيه ، ثم قد يبدأ بالتذكر. وهو من حسن التوفيق ، ونحو من التعليم من قبله تعالى.
كما يمكن أن نفهم أطروحة أخرى ، وحاصلها : أن الله تعالى أودع كثيرا من الأشياء في خلقة الإنسان وروحه. فمتى كان لا يعلم؟
جوابه : قبل خلقته. فالإبداع قد وجد بوجود الإنسان ، فهو بمنزلة الماهية ، وقبل وجود هذه الماهية كان لا يعلم. أي من حين وجود روحه لا
__________________
(١) البقرة / ٣١.