جوابه : إن لذلك عدة أطروحات محتملة :
أولا : لعل هناك قراءة بالكسر ، فينحلّ الإشكال.
ثانيا : إنه يمكن في اللغة أن يكون الفتح بمعنى الكسر. يعني أن تكون أن المفتوحة بمعنى إن المكسورة.
ثالثا : إن المتكلم جلّ شأنه جعلها مفتوحة لأجل أن يعطي كلا المعنيين. لأن أن المفتوحة مصدرية تسبك مع ما بعدها بمصدر. كما أن المكسورة شرطية. والسياق يعطي معنى الشرطية. ففي هذه الأطروحة نقول : إن الكسر موجود ضمنا لا مطابقة.
فإن قلت : فما هو المصدر المسبوك؟
قلت : «استغناءه» أي أن رأى استغناءه ، إلّا أن هذا محل نقاش باعتبار أن المصدر يكون من المدخول المباشر لأن. وهو هنا رآه وليس استغنى. وهذا لا يكون مستقيما لفظا إلّا بتقدير حرف جر محذوف وهو الباء. فإنه يقال : برؤيته أو بسبب الاستغناء.
فإن قلت : فإن الرؤية يمكن أن تلحظ طريقا إلى المرئي وهو الاستغناء كما في قوله تعالى (١) : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ). يعني إذا كان الشهر متحققا. ولا دخل للرؤية في تحققه. ففي محل الكلام يمكن حذف الرؤية واعتبار أن مدخول أن المصدرية هو الاستغناء ، فيصح فرض المشهور.
قلنا : أولا : إن الرؤية وإن أمكن أخذها طريقية أحيانا كتلك الآية الكريمة. إلّا أنها هنا لم تؤخذ بهذا النحو ، وإنما المقصود لحاظ الرؤية بذاتها بمعنى الشعور بالاستغناء وليس الاستغناء نفسه. لوضوح أن الاستغناء نفسه وهمي وكاذب.
ثانيا : إن هذا الطراز من التفكير معنوي وليس لفظيا. ومن هنا لا يكون نحويا أو لغويا. فإن فرضنا أخذ الرؤية طريقية معنى. فإنها على حال
__________________
(١) البقرة / ١٨٥.