فلا بأس حينئذ أن نضيف للعمد شيئا آخر ، للتنبيه على أن الضلال يمكن أن يكون شيئا من هذا القبيل.
فإن قلت : إن السفع مناسب للكاذب ، ولكنه غير مناسب للخاطئ ، لأنه قاصر ، فلا يستحق تلك العقوبة.
قلت : له أكثر من جواب :
أولا : إن السفع يناسب حتى مع الخطأ ، لأنه قد يكون ضربا ، أو قد يكون أمرا آخر. كظلمة القلب واسوداد الوجه ، من حيث الأثر الوضعي لشارب الخمر مثلا ، أو السارق الذي يأكل الحرام.
كما أن السفع يكون بمعنى الابتلاء ، فالقاصر والمقصر دائما في بلاء الدنيا وعقوباتها ومصاعبها ، فقوله : لنسفعا ، أي لنمتحننه في الدنيا ببلائها لعله يتذكر أو يخشى. فيكون مناسبا حتى مع القاصر.
ثانيا : أن نفهم من الخطأ : الأعم من الاشتباه وغيره. فيكون من عطف العام على الخاص ، فكل كذب خطأ ولا عكس. وبقرينة السفع وهي العقوبة ، نحمل الخطأ على حصتين ، حصة عمدية وحصة سهوية ، فيستحق العقوبة على الحصة العمدية وينسجم المعنى.
ثم قال تعالى : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ ...) لعل هذا النداء ينقذه ، ويفيده في دفع العقوبة الإلهية!! فإن دعا ناديه ، فإننا سندعو الزبانية الشداد الغلاظ ، ويكون هو وناديه تحت تصرفهم.
فهناك نحو لطافة في المقارنة بين الدعويين ، ونحو لطافة في المقابلة بين الزبانيتين : الزبانية الدنيوية «ناديه» والزبانية الأخروية. وهم الملائكة الشداد الغلاظ.
ولا بد لنا فيما يلي أن نتعرف عن معنى كل من الدعاء ، وهو مكرر مرتين ، ومعنى النادي ، ومعنى الزبانية ، من أجل فهم الأطروحة المحتملة ، لمعنى الآيتين الكريمتين :