ثانيا : إيجاد الفرق بين هذه الآية وتلك ، من حيث إن قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ). مشعر بالخصوصية لوجود اسم الموصول : الّذي. وهو لا يوجد في الآية التي تتحدث عنها. إذن فهذا الاستشعار غير لازم.
ثالثا : إن أهم وأوضح أعمال الشيطان هي الوسوسة ، باعتبار أنها مما يسمع ويشعر بها الفرد. دون باقي أعمال الشيطان. فليس من المستبعد أن تكون مقصودة وحدها ، بعد التنزل عن الوجهين السابقين.
رابعا : إننا ينبغي أن نلتفت إلى أنه ليس في الآية (مفهوم مخالفة) بحيث يقال : إن الاستعاذة فقط من الوسوسة دون غيرها. ومعه لن يكون المعنى نفي الاستعاذة عن غيرها على أي حال.
خامسا : نعرضه كأطروحة ، باعتبار احتمال كون الاستعاذة من الوسوسة هي الأساس والسبب الرئيسي لدفع الشرور الأخرى. فإذا اندفعت انسد الباب عن أعمال الشيطان الأخرى.
قوله تعالى : (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ).
يوجد إشكال في هذه الآية الكريمة ، لعل المفسرين لا يجيدون الجواب عليه. وهو ما إذا كان الشيطان يخدع الإنسان والجن معا. حيث قالوا : إنه لا يوسوس إلّا للإنس. فهل هذا صحيح؟
قال الطباطبائي في الميزان (١) : (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) بيان للوسواس الخناس. أقول : مع العلم أن بينهما فاصل آية كاملة ، فيكون المعنى على تقدير صحته : إن الشيطان الذي هو من الجنّة والناس ، يوسوس في صدور الناس ، أي البشر فقط.
وقال (٢) : وفيه إشارة إلى أن من الناس من هو ملحق بالشياطين وفي زمرتهم. كما قال تعالى (٣) : (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ). أقول : فكأن
__________________
(١) ج ٢٠ ص ٣٩٧.
(٢) المصدر والصفحة.
(٣) الأنعام / ١١٢.