بل ظاهر القرآن الكريم أن الشياطين من كلا الجنسين يخدعون كلا الجنسين. قال تعالى (١)(شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً). وهذا يعني : إن الصورة التي نعتبرها غريبة ، لها نحو من التحقق أيضا. وهي مكر الإنس بالجن وخداعهم لهم. وظاهر الآية الكريمة أن ذلك لا يقتصر على مؤمني الجن بل على شياطينهم أيضا!!
الوجوه الإعرابية للآية الكريمة :
قال أبو البقاء العكبري (٢) : قوله تعالى : (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ). قيل هو بدل من شرّ. أي من شر الجنّة.
أقول : أعتبره بدلا لكون الواو العاطفة غير موجودة. فلم يعتبره معطوفا. وقوله : قيل ، أي إنه قابل للمناقشة. وذلك : لأن البدل إنما هو لفظ إفرادي. وأما كون الجار والمجرور بدلا ، فهو على خلاف القاعدة.
وإذا سقط ذلك ، فيمكن أن يكون معطوفا بحذف حرف العطف ، إذا فهمنا أنه مربوط بالشرّ. فيكون بتقدير أمرين : الواو العاطفة وتكرار الشر : فيكون المعنى : ومن شر الجنة ومن شر الناس.
وقال العكبري أيضا (٣) : وقيل بدل من ذي الوسواس. لأن الموسوس من الجنة. أقول : هنا عنوان البدلية غير وارد ، لأنه جار ومجرور كما ذكرنا ، ويمكن أن يكون صفة أو حالا معطوفا بحذف حرف العطف.
وقال (٤) وقيل : هو حال من الضمير في يوسوس أي يوسوس وهو من الجنة.
أقول : أي حال كونه من الجنة والناس. فيكون المعنى : من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس. وهو إما من الجنة وإما من الناس. أي
__________________
(١) سورة الأنعام / ١١٢.
(٢) الإملاء ج ٢ ص ١٦٠.
(٣) المصدر والصفحة.
(٤) المصدر والصفحة.