إذن ، بينهما تعارض وتعاد في أغلب الأحكام بل كلها.
الأمر الثالث : إن هناك عداء بين النفس والله تعالى. في حين أن العقل إلى جانب الأحكام الإلهية. وأما النفس فهي ضدها وتمجها وتفضل الحرية عن مسئولياتها. في حين أن العقل ليس كذلك بل هو (عبد) لله عزوجل. وفي الحديث القدسي (١) : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب إليّ منك ولا أكملتك إلّا فيمن أحب. أما إني وإياك آمر وإياك أنهى وإياك أعاقب وإياك أثيب.
والعقل يمضي كل الأحكام الشرعية. وكلها موافقة للعقل حتى قيل بالملازمة بين أحكام العقل وأحكام الشرع. ولم يقل أحد بالملازمة بين حكم النفس وحكم الشرع. بل الرشد بخلاف النفس وعصيانها. لأن الرشد في خلاف دائم مع أعداء الله أينما وجدوا.
والملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع ، وإن لم تثبت عندي في علم الأصول ، ولكننا خارجا ، لم نجد حكما عقليا إلّا وعلى طبقه حكم شرعي إلزامي أو استحبابي ، كما لم نجد حكما شرعيا ، إلّا على طبقه حكم عقلي بالرجحان وأن تطبيقه موافق للعدل.
هذا كله بمنزلة الكبرى ، في قوله تعالى : (مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ).
فالاستعاذة ليس مما خلقه الله تعالى ، بل من شرهم. فإن وجودهم وذاتهم نعمة وخير فلا يستعاذ منه. وإنما يستعاذ مما قد يأتي منها من سوء ونقص.
سؤال : هل الاستعاذة عامة لجميع الناس؟
جوابه : إنما هي لمن يجمع بين خوف الله وخوف الخلق ، وهم الأعم الأغلب من الناس ، أما الذين يتمحضون في الخوف من الله ، فهم يخشون الله (وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ)(٢) ولا يخافون من شر ما خلق الله سبحانه.
__________________
(١) وسائل الشيعة ج ١ ص ٢٧ وكذلك ج ١١ ص ١٦٠.
(٢) الأحزاب / ٣٩.