وينبغي بحسب الحكمة الإلهية أن يخص الأول للبعض والثاني للكل. لأنه قال : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ). وبهذا نجيب على السؤال الآتي :
سؤال : ما الحاجة إلى تبّ الثانية؟
جوابه : لأمرين :
الأمر الأول : تغيير نسق الآيات فإنه وإن كان حرف الباء موجودا في نهايات الآيات. إلّا أن حذفها ـ أعني تبّ الثانية ـ يؤدي إلى تكرار لفظ اللهب مرتين ، وهو على خلاف الحكمة والبلاغة.
وهذا هو الفرق بين (القافية) و (النسق). ففي القافية قد يستعمل نفس اللفظ بمعنيين. بخلافه في النسق. فقد ذكرت (تبّ) الثانية لمنع ذلك ، وهو ما حصل فعلا.
الأمر الثاني : إنه من عطف الكل على الجزء أي تبت يداه ، بل تب كله. لعدم الملازمة بين تباب اليد وتباب الكل. فإن المقصود بتباب اليد هو أعمالها الفاسدة. فيكون المعنى : تب عمل أبي لهب. ولا ملازمة بين عمله وذاته ، كما قلنا ، فإن العمل قد يغفر ، وتناله الرحمة والشفاعة. وعندئذ لا يكون التباب لذاته. إلّا أنه إذا تب كله تعينت عليه النار. باعتباره غير مستحق للتوبة.
أو نقول : إن عمله يستحق عقابا أقل من ذاته. لأن أصل ذاته ليست فقط لأذية النبي صلىاللهعليهوآله بل لعبادة الأصنام وشرب الخمر ، وغير ذلك. فتكون تبّ الثانية لمجموع أعماله. فتتعين الإشارة إليها والتصريح بها.
سؤال : في قوله تعالى : (ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ). ما الفرق بين ماله وما كسب. فإن الذي يكسبه هو المال. فلما ذا التكرار؟
جوابه :
أولا : ليس هناك محذور من التكرار ، ولا مانع من عطف التفسير ، على معنى : ماله الذي كسب.