كما أنّ هذا الأمر منقول عن الفرق الصوفية حيث يبدّل الخدم ملابسهم بملابس أخرى ـ عند ورود المريدين ـ وتلك علاقة بينهم وبين مرشدهم بحالة المريد ، فيصرف المرشد بتلك العلاقة أنّ المريد قد جاء بهديّة مثلا.
ومن هنا وقفت على أنّ الآلية والاستقلالية خارجتان عن حريم المعنى والموضوع له اللفظ في الحروف والأسماء ، ولم يؤخذا بعنوان القيد المقوّم في المفهوم والموضوع له فيهما ، بل أخذهما إنّما يكون من قيود العلقة الوضعيّة ومقوّماتها. ولأجل ذلك كان استعمال كلّ واحد من الحرف والاسم في موضع الآخر بلا علقة وضعيّة وإن كان طبيعيّ المعنى من سنخ واحد في كليهما ، حسب ما عرفت. ولأجل ذلك المانع لا يصحّ ذلك الاستعمال.
وقد انتهى كلامنا إلى الوجه الثالث من الاستدلال المتقدّم توضيحه إلى حدّ الآن ، وملخّصه ببيان أوضح أنّه لا يخفى عليك أنّ القيد ربّما يكون من الجهات الراجعة إلى اللفظ ، وربّما يكون من الجهات الراجعة إلى المعنى دون اللفظ ، وربّما لا يرجع إلّا إلى نفس الوضع فقط.
أمّا على الوجه الأوّل فقد عرفت اختلاف اللفظ باختلاف الحركات والسكنات ، وبالتقديم والتأخير في الحروف الأصليّة المشخّصة الممتازة بالذات عن غيرها ، أو باختلاف في الترتيب ، ونمثّل لك ذلك بالنسبة إلى كلمة «بر» التي يختلف معناها باختلاف الحركات والسكنات عند التلفّظ «برّ» بالكسر و «برّ» بالضمّ و «برّ» بالفتح ، والمعنى يختلف في الأوّل والثاني والثالث ، مع عدم الاختلاف والتفاوت والامتياز فيها من حيث المادّة والحروف الأصليّة بوجه من الوجوه أصلا وأبدا ، وقد مثّلنا لك كذلك كلمة «علم» آنفا في أنّ معناها يختلف بتقديم وتأخير بعض حروفها الأصليّة عن محلّها كعمل ولمع ، بل يكون الأمر كذلك بالنسبة إلى بقيّة الموادّ المتّحدة في أصل الحروف.