وهكذا على الوجه الثاني ، إذ يختلف المعنى باختلافه ، وإنّما نمثّل لك ذلك بالنسبة إلى هيئة كلمة القاعد مثلا ، فإنّها هيئة واحدة ، ولكنّها مع ذلك تختلف باختلاف العوارض من الخصوصيّات والحالات الطارئة عليها ، فإنّها إذا كانت مسبوقة بالقيام يطلق عليها لفظ القاعد ، وإذا كانت ملحوقة بالاضطجاع يطلق عليها لفظ الجالس ، ويكون الأمر على ذلك المنوال في غير ذلك من الموارد.
بقي الكلام في بيان الوجه الثالث ، فإنّ فيه أيضا تختلف علقة الوضعيّة باختلافه نظير لحاظ الآليّة والاستقلاليّة ، فإنّها باعتبار تقيّدها بالآليّة تفترق عمّا إذا قيّدت بالاستقلاليّة ، وعند ذلك فلمّا كانت العلقة منحصرة ومختصّة في الحروف بما إذا اريد المعنى الآلي ، فمن البديهي الواضح أنّها تكون في الحروف والأدوات غير ما قصد في الأسماء ، فيتميّز في كلّ واحدة منها بامتياز وحالة خاصّة تكون مضادّة للحالة الاخرى ، ولأجل ذلك قال قدسسره في مبحث المشتقّ : إنّ استعمال لفظ الابتداء في موضع كلمة «من» ليس استعمالا في غير موضوع له ، بل ليس هو إلّا استعمالا فيه ولكنّه من دون علقة الوضعيّة ، فبحسب النتيجة الحاصلة إلى حدّ الآن إنّ هذا القول ينحلّ إلى نقطتين :
الاولى : نقطة الاتّحاد والاشتراك ، وهي أنّ الحروف والأسماء متّحدتان في أصل المفهوم ، بمعنى أنّ طبيعيّ المعنى مشترك فيهما ، والآليّة والاستقلاليّة غير داخلتين في حريم المعنى ، بل هما خارجتان عن حريمه ، فذات المعنى في حدّ نفسه لا مستقلّ ولا غير مستقلّ.
والثانية : جهة الامتياز ، وهي نقطة أنّ ملاك الحرفيّة ومعيارها ملاحظة المعنى آلة في الحروف ، وما به الامتياز والملاك في الاسميّة عبارة عن ملاحظة المعنى استقلالا ، فبذلك يمتاز كلّ واحد منهما عن الآخر ، ولله الحمد في الأوّل والآخر.
ولكنّ الإنصاف أنّ كلا من هذين النقطتين لا يمكننا المساعدة عليهما.