نحو الآلية والمرآتية لا يرجع إلى أصل وأساس أصيل.
وبالجملة ، قد انتهى كلامنا إلى الجواب عن النقطة الثانية ، وملخّص الجواب كما تقدّم بالتفصيل أنّ لازم ذلك يشمل الجملة الاسميّة بأن تنقلب من الاسمية إلى الحرفية ، لوجود ملاك الحرفيّة فيها ، وذلك فيها إذا اتي في الكلام بذلك اللحاظ من الآلية والمرآتية ، نظير التبيّن المأخوذة في الآية الشريفة لجواز الأكل والشرب في قوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ)(١) ؛ إذ لا شكّ في أنّها اخذت في الكلام مرآة وكاشفا على طلوع الفجر من دون أن يكون له دخل في حرمة الأكل والشرب بوجه من الوجوه ، وبهذا البيان ظهر لك في أنّ كون الكلمة متّصفة بالحرف لا يتوقّف على فرض لحاظه بالآلية والمرآتية.
وبعبارة اخرى : إذا كان الملاك والعلّة في صيرورة المعنى حرفيّا تارة واسميا مرّة اخرى منحصرا في خصوص لحاظ الآليّة في الحرف ولحاظ الاستقلالية في الأسماء ، بحيث يفرض المعنى بحدّ ذاته لا مستقلا ولا غير مستقلّ ، فكلّ ما كان النظر إليه آليا فهو معنى حرفي ، فيلزم صيرورة جملة من الأسماء حروفا. على أنّ ما اشتهر بين الأصحاب من أنّ المعنى الحرفي لا بدّ من أن يلاحظ آلة ، لا أساس له.
بيان ذلك : أنّه لا فرق بين المعنى الاسمي والمعنى الحرفي في هذا الوجه بوجه من الوجوه بداهة ، إذ كما أنّ اللحاظ الاستقلالي وإرادة الآلي متعلّقان بالمعنى الاسمي في مرحلة الاستعمال ، كذلك قد يتعلّقان بالمعنى الحرفي ، فإنّه هو المقصود بالإفادة والإفهام في كثير من الموارد.
__________________
(١) البقرة : ١٨٧.