وبالجملة ، فقد اختار جماعة من المحقّقين رحمهمالله تعالى أنّ للحروف معاني ولكن لا على نحو المعاني الاسمية ، بل إنّهما من حيث المفهوم متباينان بالذات والحقيقة ، ولكن مع اختلاف بينهم في بيان كيفية ما به التباين والامتياز بينهما.
فقد ذهب شيخنا الاستاذ قدسسره إلى أنّ التباين بينهما إنّما يكون بالإيجادية في الحروف وبالإخطارية في الأسماء ، وحاصل التفاوت بينهما أنّ المعاني الاسمية بتمامها مفاهيم إخطارية وموجودة في عالم المفهومية ، وأنّها تكون مستقلّة في حدّ ذاتها بما لها من الهويّة في ذلك العالم ، بخلاف المعاني الحرفية فإنّها عبارة عن المفاهيم الأدويّة ، وفي كيانها أنّها معان إيجادية في وعاء الكلام عند التخاطب من دون أن يكون لها نحو تقرّر في عالم المفهوميّة كالمفاهيم الاسمية ، بل لا استقلال لها بذاتها وحقيقتها في عالم المفهومية.
وحاصل الكلام : أنّ الموجودات في عالم الذهن إنّما تكون كالموجودات في عالم العين والخارج ، فكما أنّ في الخارج موجودات مستقلّة وموجودات غير مستقلّة ، فكذلك في عالم الذهن والإدراك تكون الموجودات على نوعين : مستقلّة وغير مستقلّة. نعم ، بينهما فرق من جهة أنّ في موطن المفاهيم لا فرق بين الجواهر والأعراض وسائر المفاهيم الاعتبارية والانتزاعيّة والإضافية ، بخلاف موطن الخارج ، لوجود الفرق بين الجواهر والأعراض ؛ لأنّ الجوهر يتحقّق في الخارج بنفسه بخلاف العرض ، فإنّه في الخارج لا يمكن أن يتحقّق إلّا في الموضوع.
وبعبارة أوضح : إنّ الموجودات في عالم العين على شكلين :
أحدهما : ما يكون له كيان ووجود مستقلّ بذاته لذاته في ذلك العالم ، مثل أنواع الجواهر كالنفس والعقل والصورة والمادّة والجسم ، ولأجل هذه الجهة