وبالجملة ، فإنّ كلّ واحد من الحروف لا وضع له في عالم المفاهيم في الخارج والذهن وعالم الاعتبار بوجه من الوجوه ، وإنّما يؤخذ في الكلام لإيجاد ربط خاصّ عند تركيب مخصوص عند التكلّم في المحاورة فقط ، وليس إلّا بمعنى أنّه لو لا وضع الحروف لم تحقّق وتوجد رابطة بوجه من الوجوه من هذه الخصوصية بين أجزاء الكلام ، وذلك من جهة أنّه من البديهي عدم شيء من الرابطة بين مفهوم «زيد» ومفهوم كلمة «دار» في حدّ ذاتهما بأنفسهما ، لأنّهما في عالم المفاهيم مفهومان متباينان بالحقيقة والذات ، فلا بدّ عند قضاء الحاجة من رابط ليرتبط أحدهما بالآخر ، وذلك منحصر في كلمة (في) كما أنّ الرابط بين المبتدأ به والمبتدأ منه منحصر في كلمة (من) ، وهكذا كلمة (على) بين المستعلي والمستعلي عليه ، إلى آخر سائر كلمات الحروف لما لها من الخصوصية الإيجادية في الكلام عند المحاورة.
والحاصل أنّ المعاني الحرفية بتمامها معان إيجاديّة في كلّ كلام عند كلّ محاورة من دون أن يكون لها كيان ومفهوم في أيّ موطن من الخارج والاعتبار والذهن إلّا في مقام الاستعمال والتخاطب في الكلام التامّ الذي اخذ الحرف في تركيبه.
وتكون من هذا القبيل صيغ العقود والإيقاعات حسب ما تقدّم عند المشهور من الأصحاب بأنّها أسباب لإيجاد مسبّباتها في مقام إنشائها بها كالملكية والزوجية وأمثالهما ، مع الفرق بينهما من جهة اخرى ، وذلك عبارة عن أنّ هذه الصيغ بالاستعمال موجدة لمسبّباتها في عالم الاعتبار فقط ، فيكون وعاؤها منحصرا في عالم الاعتبار ، بخلاف الحروف ، فإنّها موجدة للمفاهيم المخصوصة الغيرية في وعاء الاستعمال ، فتكون صيغ العقود والإيقاعات مستقلّة في موطنها ، بخلاف الحروف فإنّها لا استقلال لها ، وإنّما الفرق بينهما يكون من