هاتين الجهتين وليس إلّا :
الاولى : أنّ المعاني الإنشائية إنّما تكون مستقلّة في ذاتها دون المعاني الحرفية.
والثانية : أنّها مفاهيم موجودة في عالم الاعتبار ، فيكون ظرفها ذلك العالم ، بخلاف الحروف فإنّ ظرفها منحصر في وعاء الاستعمال فقط ، ولأجل أنّ الرواية المنسوبة إلى عليّ عليهالسلام تدلّ على أنّ الحرف عبارة عمّا أوجد معنى في غيره (١).
وقد أخذ بظاهر هذه الرواية شيخنا الاستاذ قدسسره وقال : إنّ هذا التعريف من أجود التعريفات في باب الحروف من جهة شمولها على كيان المعاني الحرفية بتمامها وكمالها.
فتحصّل من جميع ما ذكرناه في المقام أنّ المعاني على قسمين :
الأوّل : إخطاريّة محضة مستقلّة بذاتها في وعاء مفهوميّتها.
والثانية : إيجادية غيرية لا استقلال لها كذلك في ذلك العالم من دون أن يزاحمهما ثالث ، وإنّما الإخطارية لا تنفكّ عن الاستقلالية في حدّ ذاتها والإيجادية منفكّة عن الاستقلال في حدّ ذاتها. فعلى ضوء هذا البيان فلا جرم أنّ حكمة الوضع ومصلحتها تكون هي الباعث إلى وضع الأسماء للقسم الأوّل من المفاهيم والمعاني ، ووضع الحروف والأدوات الغيرية للقسم الثاني منهما لإيجاد الارتباط المخصوص بين القسم الأوّل في اتّصال بعضها ببعض في النسبة المخصوصة في طريق تحصيل ذلك الغرض المخصوص الذي عبارة عن حكمة الوضع. ومن جهة إفهام تلك العناية أفاد أهل لسان العربية عند توضيح وتفسير معاني الحروف بأنّ كلمة (من) للابتداء و (في) للظرفية ولم يفسّروهما
__________________
(١) راجع تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام : ٦٠.