وبالجملة ، فإنّ الفرق بين من ليس له احترام من أصل وبين المفهوم الغير المستقلّ ، يكون أظهر من الشمس وأبين من الأمس ؛ إذ الحروف لها مفاهيم في الوجود إلّا أنّها غير مستقلّة في المفهوميّة بخلاف احترامات التبعية المحضة ، إذ لا هويّة لها إلّا بتبع المتبوع ، وذلك لأنّ المعاني الحرفيّة وإن كانت غير مستقلّة في أنفسها ، بل هي متعلّقة بالمفاهيم الاسمية بحدّ ذاتها وبعالم مفهوميّتها على نحو لو لم يكن ذلك الغير لم يكن لها أيّ وجه من الاستقلال في أيّ وعاء فرض في عالم الوجود من الذهن أو الخارج أو الاعتبار ، ولكن لا يخفى عليك أنّها مع ذلك كلّه لا يلزم كونها إيجادية محضة بالمعنى المتقدّم كالوجود التبعي بالضرورة من الوجدان.
وبالجملة ، فإنّ معاني الحروف وإن كانت ليست بإخطارية كمفاهيم الأسماء ، ولا تخطر في الأذهان كما تخطر مفاهيم الأسماء عند التكلّم بألفاظها مركّبا أو انفرادا ، ولكنّها ليست بإيجاديّة بالمعنى الذي اختاره قدسسره. وذلك من جهة أنّ المعاني الحرفية وإن كانت غير مستقلّة بحدّ ذاتها إلّا أنّها متعلّقة بالمفاهيم الاسمية في حدّ ذاتها وفي عالم مفهوميّتها ، بحيث لا مكان لها من الاستقلال في أيّ ظرف من الظروف من المفهومية الذهنية والخارجية والاعتبارية.
ولكن مع ذلك كلّه لا ملزم لكونها بذلك المعنى من الإيجاديّة التي فسّرها هو قدسسره ؛ إذ ربط الحروف بين المفاهيم الاسمية والتراكيب الأدبية الكلاميّة في اللغة والمحاورات التي لا ربط لبعضها بالبعض الآخر إنّما هي من جهة دلالتها على معانيها التي وضعت بإزائها ، لا من ناحية إيجادها المعاني الربطيّة في وعاء الاستعمال والشكل التركيبي الكلامي الأدبي.
فبما أنّ كلمة (زيد) وكلمة (دار) من دون التركيب متباينتان بلا ربط بينهما ، وكلمة (في) إذا وقعت في الوسط يحصل التركيب بعنوان (زيد في الدار) تدلّ