وتوضيح الفساد هو أنّ المعنى الحرفي وإن لم يكن إخطاريا في نفسه لعدم استقلال له في نفسه ، إلّا أنّه ليس بإيجادي كما تقدّم. ولا يجوز التجاهل والتغافل عن ثبوت المفهوم لجميع الحروف في تجاه المفاهيم كالمفاهيم الاسميّة ، بل الحقّ أنّه إنّما يتحقّق ذلك بالتدبّر والتعقّل.
فظهر لك من جميع ما ذكرناه في المقام جهتان :
الاولى : عدم صحّة القول بأنّ المعاني الحرفيّة والمفاهيم الأدويّة إيجادية فقط بحدّ المهملات من دون أن يكون لها نحو ثابت في شيء من الظروف إلّا في موطن الاستعمال ، بل الحقّ أنّ للحروف معان مساوية للمعاني الاسميّة بلحاظ ثبوت المفهوم لها بالوضع المقرّر الثابت في المحاورة واللغة في عالم المفهوم والتصوّر والتعقّل لمن كان له تدبّر في تشخيص المفاهيم بالتأمّل والتفكّر.
والثانية : أنّها غير مستقلّة في المفهومية في حدّ ذاتها بل تكون متقوّمة بالمفاهيم الاسمية ، ولكن ذلك لا يضرّ بثبوت المفهوم لها في ذلك الوعاء ـ كما يأتي بأنّ هذا هو الحقّ المبين ـ من دون أن يكون مستلزما لصيرورة الحروف من الأدوات الإيجادية المحضة في موطن الاستعمال بالقطع واليقين ، إذ من الممكن أن يكون المعنى المتصوّر غير مستقلّ في نفسه وكان له مفهوم بالوضع المعيّن من دون أيّ شاهد ودليل على كونها إيجاديّة في موطن الاستعمال.
وأمّا الأمر الرابع الذي التزم به قدسسره من أنّ المعاني الحرفية إنّما تكون مغفول عنها في حال الاستعمال دون المفاهيم الاسمية ، فهو من أصله لا أساس له ، بل كلّ منهما يشرب من عين واحدة من هذه الجهة ، إذ كما أنّ اللحاظ مستقلا يتعلّق بإظهار المعاني الاسمية عند اقتضاء الحاجة إلى إبرازها كذلك ، فكذلك اللحاظ غير الاستقلالي قد يتعلّق بالمفاهيم الحرفيّة لما فيه من تلك الخصوصية التي لا بدّ من الإخبار عنها في مقام التخاطب عند المحاورة ، من دون وجدان فرق بينهما