وأمّا الأمر الثاني : فهو عبارة عن أنّه لا كيان للمعنى الحرفي بما هو معنى حرفي إلّا في ضمن كلام تركيبي ، فلما أنّك قد عرفت بما لا مزيد عليه ـ عمّا ذكرناه في المقام من البيان ـ أنّها كالمعاني الاسمية المتحقّقة الثابتة المتقرّرة في عالم المفهوميّة ، بلا فرق في ذلك بين ما إذا استعملت الحروف والأدوات فيها أم لم تستعمل. نعم ، مع الاعتراف بأنّه لا استقلال لها في حدّ ذاتها ، ولكن قد عرفت أنّ ذلك لا يضرّ بكونها ذا مفهوم في ذلك الحال.
وأمّا الأمر الثالث : فلا يخفى عليك أنّه عبارة عن الفرق بين الإيجاد في الإنشاء والإيجاد في الحروف حسب ما تقدّم ، فقد وقفت على بطلانه من الأساس بما أوضحناه في المقام من أنّ المعاني الحرفيّة ليست بإيجادية حتّى نحتاج إلى بيان الفرق بينها وبين المعنى الإيجادي في باب الإنشائيات بمثل ما ذهب إليه هو قدسسره على أنّه لا وعاء لها في غير موطن الاستعمال من الكلام التأليفي ، بخلاف الإيجاد في الإنشائيات ، فإنّ لها وعاء مناسبا وهو عالم الاعتبار.
وأمّا الأمر الرابع : فهو عبارة عن أنّ الحال في المعاني الحرفيّة كحال الألفاظ عند استعمالها ، فبطلانه قد اتّضح بما تقدّم بما لا مزيد عليه.
ومن العجيب أنّه قدسسره جعل هذا الأمر الرابع هو الركن الركين في المقام على مدّعاه ، إذ قال في مقام التأكيد بأنّ بانهدامه تنهدم الأركان كلّها من الأساس ، وذلك من جهة أنّ المعنى الحرفي لو كان ملحوظا وملتفتا إليه ينقلب عن المعنى الحرفي إلى المعنى الاسمي وليكون إخطاريا ، فلا جرم يكتسب مكانا واقعيا في غير الكلام التركيبي في ذلك ، من جهة أنّ المعيار ـ مضافا إلى ما بيّنّاه من أنّ المعنى الحرفي كالمعنى الاسمي مقصود بالإفهام في مقام التفهيم ـ في إخطارية المعنى استقلاليّته بالذات في حدّ نفسه كما عرفت مفصّلا لا اللحاظ والالتفات