أنّ وجود الكلّي الطبيعي لا ينفكّ عن الأفراد أو الفرد ، بل يكون عين وجود الأفراد في الخارج. فإذن كيف يمكن أن يلتزم بالضرس القاطع بعنوان الاستدلال المسلّم بالمقايسة بين القضيّة المتيقّنة والقضيّة المشكوكة ، بأخذ النتيجة من تلك البراهين التي هي أوهن من بيت العنكبوت ، لإثبات سنخ وجود لا في نفسه ، ليكون هو المفهوم للمعاني الحرفيّة ؟
على أنّ الأمر يكون على خلاف ذلك ؛ إذ ليس بين الفرد والكلّي الطبيعي في الخارج شيء من التعدّد والافتراق ، بل بينهما يكون كمال الملاءمة والاتحاد ، فهذه النظرية من أصلها لا أساس لها ؛ لأنّ وجود (زيد) في الخارج يكون عين وجود الكلّي ، كما أنّ وجود الكلّي في العين والخارج يكون بعينه عين وجود (زيد) و (عمرو) و (بكر) و (خالد) بالضرورة من الوجدان.
وأمّا الجهة الثانية من الاستدلال : فلا يخفى عليك أنّ ما اعتمد عليه من برهان التسلسل أيضا لا يسمن ولا يغني من جوع ؛ لعدم الدليل على بطلان التسلسل. هذا ، مع أنّا لو سلّمنا تحقّق مثل هذا النحو من الوجود الذي عبّر هو عنه بالوجود لا في نفسه ، لا يضرّنا بوجه من الوجوه ؛ إذ سنخ هذا الموجود في الوجود لو كان متحقّقا في الخارج إنّما يكون تحقّقه بتبع الغير ، لأنّ قوام هذا الوجود في الخارج يكون بوجود طرفيها ك (زيد) والقيام.
بخلاف مقامنا ، فإنّ كلامنا في المقام إنّما يكون في بيان مفهوم المعنى الحرفي كالمعنى الاسمي الذي يشار به إلى الأفراد في الخارج بعنوان الدليل الكلّي العامّ.
وبعبارة أوضح : كلامنا في بيان المعنى الحرفي مسوق لبيان المعنى الحرفي من حيث إنّه مفهوم كلّي وضعت الحروف له في انطباقه على الكثيرين من الأفراد والمصاديق في الخارج ، كمفاهيم الأسماء التي تكون وجهة وكاشفة ودليلا وعنوانا في الدلالة لإراءة الأفراد والمصاديق عند السامع في مقام التخاطب. مع