وأمثالهما ، ولبّ ما دعاه إلى اختيار هذا المسلك عبارة عن أنّ الموجودات في الخارج تكون على أشكال ثلاثة :
الشكل الأوّل : ما يكون وجوده وجودا لنفسه ، كالجوهر بما له من الاتصاف.
الشكل الثاني : ما يكون وجوده في نفسه وجودا لغيره ، كالأعراض التسعة التي ربما عبّر عنها في مقام التوضيح عن شرح وجودها بالوجود الرابطي ، وأنّها تكون على صنفين :
أحدهما : ما يحتاج في تحقّقه إلى محلّ وموضوع واحد منفرد في عالم الخارج وبذلك يصير مستغنيا عن شيء آخر ك (الكمّ) و (الكيف) ونحوهما.
وثانيهما : ما يحتاج في تحقّقه في الخارج إلى موضوعين ليتقوّم بهما ، كالعرض الأيني والإضافي وغير ذلك من الإضافات والملابسات.
الشكل الثالث : ما يكون وجوده لا في نفسه ، كأقسام النسب والروابط.
فإذا علمت تلك الأقسام فلنا أن نقول : إنّ وضع الألفاظ ليس بلا علّة وحاجة ، بل الحاجة إنّما بعثت العقلاء في كلّ لغة ومحاورة إلى وضع الألفاظ التي تدور على مدارها الإفادة والاستفادة عند التفهيم والتفهّم في مقام التخاطب ، فلا يذهب عليك أنّا بعد الفحص والتتبّع وجدنا أنّهم وضعوا الأسماء للجواهر ولعدّة من الأعراض ، وإنّما وضعوا الهيئات من المركّبات والمشتقّات للنسب والروابط.
وأمّا الحروف فوضعوها لخصوص الأعراض النسبية الإضافية ، فكلمة (في) مثلا في قولك : زيد في الدار ، إنّما تدلّ على العرض الأيني العارض على موضوعه كزيد ، والهيئة تدلّ على ربط هذا العرض بموضوعه ، وهكذا.
وإن شئت قلت : إنّ المعاني منحصرة بالجواهر والأعراض وربطها بمحلّها فقط وليس إلّا ، من دون أن يكون هنا شقّ رابع لها.