ومن الواضح المعلوم بالضرورة من الوجدان أنّ الحروف ليست موضوعة للقسم الأوّل ، كما ليست موضوعة لبعض الأقسام الثانية ؛ إذ من البديهي أنّ الموضوع لها إنّما تكون هي الأسماء فقط ، كما أنّها غير موضوعة للثالث ؛ إذ الموضوع له إنّما تكون هي الهيئات ، فلا جرم أنّها ـ أي الحروف ـ إنّما تكون موضوعة للأعراض النسبية الإضافية وليس إلّا.
ولأجل ذلك الذي بيّنّاه في المقام يصحّ لنا أن نقول : إنّ كلمة (في) موضوعة للأين الظرفي ، كما أنّ كلمة (من) موضوعة للأين الابتدائي ، وكذا (على) و (لام) إلى آخر سائر الحروف في كلّ لغة ولسان ، من دون أيّ فرق في ما ذكرناه في المقام بين أقسام الحروف والأدوات مطلقا من حيث ورودها على المركّبات الناقصة أو دخولها على المركّبات التامّة ، كأحرف التمنّي والترجّي والتحقيق والتشبيه وأمثالها من بقيّة الحروف الدارجة في كلّ المحاورات واللغات عند أرباب اللسان.
فصار المتحصّل من كلامه مع تفسير منّا أنّ المعنى الحرفي إنّما هو عبارة عن لحاظ وضعها لإحراز النسبة ، دون النسبة الخارجية ، بتقريب أنّ النسبة الخارجية إنّما تستفاد من هيئات الجمل التركيبية ، كقولك : زيد قائم ؛ إذ من الواضحات أنّ مفردات هذه الجملة الحملية عبارة عن كلمة (زيد) وكلمة (قائم) ، ولا ينبغي الشكّ والريب في أنّ كلّ واحد من هاتين الكلمتين إنّما تدلّ على مفهوم مستقلّ ؛ إذ من الضروري أنّ كلمة (زيد) إنّما تدلّ على شخص خارجي يكون ذلك الشخص هو المسمّى ب (زيد) ، كما أنّ كلمة (قائم) لا تدلّ إلّا على مفهوم القائم الذي هو عبارة من الأعراض التسعة التي تتشكّل من حيث مقولة الوضع الخارجي بصورة القيام الاستوائي في قبال الهيئات الوضعية المقولية الفرضية التي تتشكّل بصورة الانحناء الركوعي والسجودي