الإيجادية ، إذ قد أثبتنا أنّه لا مفهوم للحروف إلّا إيجاد اختصاص النسبة بين المفهومين المستقلّين لأجل التفهيم والتفهّم في مقام التخاطب ، ولكن لا على المنهاج الذي ذهب إليه شيخنا الاستاذ قدسسره بنحو الانحصار في خصوص الإيجاد على وجه يكون المعنى الحرفي مختصّا بالإيجاد فقط ، حتّى لا يكون للحروف مفهوم إلّا كما أفاده هو قدسسره من الإيجاديّة.
بل المراد من الإيجادية في المعنى الحرفي عبارة عن أنّ المعنى الحرفي ليس إلّا من سنخ المفاهيم والمعاني التي لا تكون متحقّقة ولا متحصّلة إلّا بين المفهومين المستقلّين ، ومن هنا ذكروا أنّ الحروف إنّما تدلّ على المعنى في الغير. فمعنى ذلك أنّ للحرف مفهوم وضع هو له ، وإنّما ظرف ذلك المفهوم الحرفي الذي وضع له الحرف ويدلّ عليه يكون في الغير.
وذلك من جهة أنّه لا شكّ في لزوم وجود مفهوم متصوّر في الغير ليكون الحرف بالتصديق الحقيقي دالا عليه ، إذ لو لم يكن ذلك المفهوم في الغير متحقّقا لما صدق أنّ الحرف يدلّ على المعنى في الغير.
وعبارة أوضح : إنّه لو لم يكن للحرف من أصله مفهوم متحقّق في الغير ، كيف يعقل أن يقال : إنّ الحرف يدلّ على المعنى في الغير ؟ فعلى هذا لا مناص لنا إلّا الالتزام بوجود مفهوم مسلّم للحرف في الغير حتّى يصحّ أن نقول بأنّ الحرف يكون دالا عليه في ذلك الظرف ، فلا جرم يكون الغير هو المحقّق لمفهوم الحرف ، والحرف يدلّ عليه في ذلك الوعاء والظرف.
وعلى كلّ حال : إنّ تحقّق المعنى الحرفي في الغير في الجملة غير قابل للإنكار ، بل الحقّ أنّ هذا المقدار من المعنى للحروف يعدّ من الضروريات والارتكازيات المسلّمة في كلّ محاورة من اللغات المتعارفة بين العرف والعقلاء والخالق والمخلوق.