أنّ مفهوم الصلاة يستفاد من هيئة صلّ ، والقيد إنّما يستفاد من إتيان كلمة (مسجد) في الكلام.
وأمّا تقييد الصلاة بخصوص المسجد فمبرزة ليس إلّا كلمة (في) ، فصارت كلمة (في) هي السبب لتحصّل هذا التضييق في ذلك المفهوم الوسيع القابل للانطباق على الكثيرين.
وهذا الذي استفدته من هذا البيان الذي أوضحناه في المقام الطالب الحقيقة يكون مراد من يقول في مقام تعريف الحرف بأنّ الحرف يكون هو الذي يدلّ على المعنى في غيره.
فتحصّل من جميع ما ذكرناه أنّ الحروف في المحاورة إنّما وضعت للدلالة على تضييق سعة دائرة المفاهيم عند إفهام الحصص الخاصّة في مقام التخاطب إذا كانت هي المقصودة من كلام المتكلّم ، وأمّا كلمتا الصلاة والمسجد فهما مستعملتان في معناهما المطلق واللابشرط من دون أن تدلّا على شيء من التضييق والتخصيص بوجه من الوجوه ، كما لا يخفى.
ومن هنا انقدح أنّ تعريف الحرف بما دلّ على معنى قائم بالغير من أحسن التعاريف وأجودها ، بل هذا المعنى ليس إلّا المفهوم الواقعي الحقيقي للحروف في الذات وفي نفس الأمر المرتكز في أذهان أهل كلّ من المحاورات من أرباب اللغات والبيان ، من أنّ المعنى الحرفي هو هذا الشكل الخاصّ القائم بالغير بما له من الحالة الخاصّة المتقيّدة.
وبعبارة أوضح : إنّ الأسماء بجواهرها وأعراضها وغيرهما ـ حسب ما تقدّم ـ إنّما تدلّ على الطبيعة المطلقة والمعاني اللابشرطية ، وشيء منها لا يدلّ على تضييقات تلك المعاني المتحصّصة والمتخصّصة بالخصوصيات المتقدّمة ، فبالجبر الزماني الموجود في المحاورة الدالّ عليها يكون منحصرا في الحروف