والإياب في مطلق حصص موارد المرجوّ ، والأمر يكون كذلك بالنسبة إلى حروف النداء.
وكيف ما كان ، فإنّ الحروف وإن كانت مختلفة من حيث الدلالة على التقييد والتضييق ، ولكنّها متساوية من حيث الدلالة على التقييد والتضييق في الغير ؛ إذ كما أنّ كلمة (من) و (إلى) تدلّان على أنّ السير من حيث الابتداء والانتهاء مضيّق ومتقيّد بالبصرة والكوفة ، فكلمة (ليت) أيضا تدلّ على تضييق سعة آمال المتكلّم التي كانت في شأنية التعلّق بأشياء كثيرة ، ويضيّقها ويحصرها بخصوص قيام (زيد) أو (عمر) أو فقاهة (بكر) ، فيبرز تلك الحصّة بقوله في مقام التخاطب ويقول :
فيا ليت الشباب يعود لنا يوما |
|
فاخبره بما فعل المشيب |
فتدلّ كلمة (ليت) في هذا المثال من الشعر أنّ المرجوّ من هذه الجملة عبارة عن الشباب لا القيام ، أو العلم ، أو فقاهة المتكلّم ، ولا بقيّة أحواله من الجلوس والقعود والركوع والسجود.
المقام الثاني :
وقد بقي الكلام بالنسبة إلى المقام الثاني وهو عبارة عن أنّ الموضوع له في الحروف عامّ أو خاصّ ؟
وقد اتّضح لك ممّا تقدّم في المقام الأوّل من حيث النتيجة أنّ الموضوع له فيها خاصّ والوضع عامّ ، أمّا في الطائفة الاولى ، فلأنّها لم توضع بإزاء مفاهيم التضييقات والتحصّصات ، لأنّها من المفاهيم الاسمية الاستقلالية في عالم مفهوميّتها ، بل لواقعها وحقيقتها ، أي ما هو بالحمل الشائع تضييق وتحصّص ، ومفاهيمها ليست بهذا الحمل تضييقا وإن كانت كذلك بالحمل الأوّلي الذاتي.