للمشتري في مقابل فلوسه ، من دون أن يكون لها نظر وكشف وحكاية عن إيجاد معنى البيع أو المبادلة في الخارج بهذه الجملة الإنشائية التي نطق بها بوجه من الوجوه ، ومن دون أن يكون لها دلالة على إيجاد التبديل والتبدّل بين المالين في عالم الخارج.
نعم ، في خصوص البيع والنكاح والإجارة يمكن أن يقال : إنّها تكون من المقدّمات الموصلة إلى اعتبار العرف والعقلاء ، ومنه إلى وصول اعتبار الشارع فتكون جملة (بعت داري من عمرو) سببا للتوسّل إلى أخذ إمضاء الشارع من الآية الشريفة : (أحلّ الله البيع وحرّم الربا) ، إذ ليس كلّ البيع معتبرا على أيّ وجه اتّفق عند من يقول ببطلان المعاطاة ، بل إنّما المعتبر عنده إنّما هو عبارة عن البيع الذي يكون مبرز اعتباره هو اللفظ ، بل لا بدّ من أن يبرزه بلفظ (بعت) إذا كان البائع من أهل لسان العرب ، فهكذا كلّ بائع يتكلّم عند الإنشاء بلسان عرفه المتعارف في لغته من العجم والترك إذا لم نقل باشتراط الألفاظ العربية في المعاملات ، كما لا نقول بالاشتراط.
ولكن لا يذهب عليك أنّ مثل هذا قليل ، بل مختصّ بباب البيع ، إذ لا ينبغي الشكّ في أنّ بقية الإنشائيات ليست على ذلك المنوال مثل التمنّي والترجّي والاستفهام. فإذن الحقّ في الجمل الإنشائية أنّها ليست إلّا كاشفة عن اعتبار المتكلّم وقصده بها ، بأنّه يكون في حال الاعتبار في عالم التعهّد والالتزام عند نفسه واعتقاده ، وأبرز هذا الاعتقاد والاعتبار الموجود في نفسه بهذه الجملة الإنشائية لتفهيم مخاطبه بذلك في مقام الإفهام والتخاطب.
فتحصّل من جميع ما ذكرناه في المقام أنّ الجمل الإنشائية متّحدة من هذه الجهة مع الجمل الخبرية من حيث الدلالة ، الفرق بينهما إنّما هو من ناحية الدواعي التي تعلّق بها الغرض من الخبر والإنشاء.