اللحاظ استعمل كلمة الأسد في معناها الحقيقي دون المجازي ، فبحسب التحليل فإنّ هذا الاستعمال حقيقي ، لا من باب المجاز في الكلمة ، بل إنّما يكون من باب المجاز في الإسناد والاستعارة كما ذهب إليه السكاكي.
وهذا هو المختار ؛ لأنّ المبالغة لا تتمّ إلّا بهذا التحليل ، والمبالغة في أمثال تلك الموارد حقّ وليس بكذب ؛ إذ هذا الرجل حيث فاق جميع أفراد أقرانه من حيث الشجاعة فكأنّه صار وحيد دهره وفريد عصره ، فكأنّه انتقل من الإنسانية في صفة الشجاعة إلى ذلك الحيوان المفترس ، فصار اسمهما واحدا من حيث صحّة الاستعمال والانطباق بعنوان الحقيقة في كليهما دون المجاز.
وبذلك يتمّ المقصود من هذا الكلام في مقام الحكاية عن المبالغة من حيث المعاني والبيان دون أصل الشجاعة ، فيكون هذا التطبيق لأجل أخذ ذلك المطلوب والغرض من هذا الاستعمال في مقام التخاطب ، بمعنى أنّ الناطق عند التفهيم والتفهّم يريد أن يبيّن أنّ ذاك الرجل بلغ في الشجاعة نهايتها بحيث تحوّل من حالة الشجاعة الإنسانية إلى حالة الشجاعة الأسدية ، بل إنّه يصحّ أن نسمّيه بأسد الاسود.
ولأجل ذلك اختار السكاكي هذا المسلك (١) حيث قال : لو كان استعمال لفظ الأسد في المعنى المجازي بمجرّد إبلاغ طبيعي الشجاعة لكان يقول : رأيت رجلا شجاعا ، ولا يقول : رأيت أسدا يرمي ، ومن الواضح أنّ كلمة أسد في الجملة الثانية لو كان استعمالها بلحاظ المجاز في الكلمة من باب الشباهة في الشجاعة أي : رأيت رجلا شجاعا ، لا تفيد المقصود من المتكلّم من هذا الكلام من حيث البلاغة ، إذ المتكلّم إنّما أراد المبالغة في الشجاعة بهذه الحكاية ، لا أنّ
__________________
(١) مفتاح العلوم : ١٥٦ ، القسم ٣ ، الفصل الثالث في الاستعارة.