شأنه ، وأين التراب وربّ الأرباب ؟ وكيف يجوز مقايسة ذلك بالدلالات اللفظية في مقامنا هذا ، فإنّها تكون بمعنى الانتقال من شيء إلى شيء آخر.
وقد وقفت ممّا مرّ على أنّ الاستعمال وإطلاق اللفظ في ذات شخصه لا يكون من سنخ الاستعمال في شيء بوجه من الوجوه من الأصل والأساس ، إذ من الواضحات أنّ الناطق والمتكلّم بقوله : زيد ثلاثي ـ مثلا ـ لم يقصد إلّا إحضار شخص ذلك اللفظ وذاته في ذهن السامع ، وهو بنفسه متحقّق الحضور فيه ، ومعه لا يبقى احتياج إلى الواسطة ، بل الواسطة تبقى لغويّة وتكون أشبه شيء بطلب تحصيل الحاصل كما ذكرنا مرارا.
ويرد علينا على هذا إشكال بأنّ لازم ذلك هو تركّب القضية الواقعية من الجزءين ، وذلك من جهة أنّ القضية اللفظية في المحاورة الحكائية تخبر بموضوعها ومحمولها ونسبتها عن القضية الواقعية ، وحيث قد فرض أنّه لا موضوع في المقام للقضية الواقعية في قبال القضية اللفظية ، فليس عندئذ بحسب هذا الفرض غير المحمول والنسبة. ومن الواضحات أنّ تحقّق النسبة بدون الطرفين من المحالات المبيّنة الواضحة.
وقد تصدّى للجواب عن هذا الإشكال المحقّق صاحب الكفاية قدسسره (١) بأنّ الاحتياج إلى الموضوع والواسطة مسلّم في الإطلاقات المتعارفة في المحاورة في القضية الحقيقية التي هي في وجودها وحضورها في الأذهان محتاجة إلى واسطة كإطلاق اللفظ بالإضافة إلى بيان المعنى والموضوع له ، لا بالنسبة إلى حضور نفسه وذاته فإنّه لا يحتاج إلى ذلك ، إذ نفس ذاته تكون بمنزلة الموضوع في حضوره في حدّ ذاته ، فلا يحتاج في وجوده وحضوره إلى الواسطة ، بل كان
__________________
(١) كفاية الاصول : ٢٩ ـ ٣٠.