بالدلالة التصديقية غير منفكّة عن القول بكون الوضع ليس إلّا عبارة عن التعهّد والالتزام.
وأمّا الدلالة التصوّرية التي هي عبارة عن الانتقال إلى المعنى من سماع اللفظ فهي غير مستندة إلى الوضع ، بل هي من جهة الانس الحاصل من كثرة الاستعمال أو من أمر آخر ، ولأجل ذلك هذه الدلالة موجودة حتّى عند تصريح الواضع بانحصار العلقة الوضعية بالتعهّد والالتزام المتقدّم ذكره مرّات عديدة.
على أنّ الأمر يكون كذلك حتّى على مسلك الأصحاب في مسألة الوضع من أنّه أمر اعتباري جعلي ، إذ الجعل والاعتبار يكون تابعا للغرض الداعي إليهما من حيث السعة والضيق ، فلا ينبغي الريب في أنّ الزائد على ذلك الغرض لغو محض ، فلا بدّ من أن يكون خارجا عن مدار علقة الوضعية ، وذلك من جهة أنّ الغرض الباعث للواضع في المحاورة على الوضع لمّا كان قصد تفهيم المعنى من اللفظ وجعله آلة لإحضار وإخطار معناه في الذهن عند قصد تفهيمه ، فلا وجه لجعل العلقة الوضعية واعتبارها أوسع من تلك الحكمة على نحو الإطلاق ، حتّى تشمل اللفظ الصادر عن اللافظ والناطق من غير التفات وشعور واختيار كالغافل والساهي والمغشيّ عليه والمجنون والنائم ونظائرها ؛ إذ من البديهيات أنّ الجعل والاعتبار في أمثال تلك الأمثلة المتقدّمة من العبث واللغو الباطل من الأصل والأساس عند أهل التأمّل والإحساس.
وملخّص الكلام : إذا تأمّلت في ما ذكرنا سابقا في بيان حكمة الوضع حيث قلنا : إنّ الغرض الباعث لجعل الإنسان متنعّما بنعمة البيان والوضع والتكلّم من قبل الله تعالى ليس إلّا أن يكون الإنسان قادرا على إبراز مقاصده وأغراضه في الخارج بالدلالة التصديقيّة من حيث الإفهام والتفهيم بالنسبة إلى مقام التخاطب.
فهذا الغرض يطلب أن لا يكون الوضع أزيد سعة من سعة ذلك الغرض الداعي