إلى الوضع لا محالة ؛ إذ من الواضحات أنّ الوضع أمر اعتباري جعلي نظير الامور التشريعية الاختيارية لا بدّ من أن يكون في دائرة الغرض والحكمة من المصلحة التي دعت الواضع إلى الوضع والاعتبار ، فيكون ذلك الجعل والاعتبار في اختيار من بيده الوضع والتعهّد والاعتبار ، فله كيف يشاء أن يجعله مقيّدا بما يريد من القيود عند قضاء الاحتياج إلى أخذ تلك القيود في جهة التفهيم ، ومن ناحية أنّ الغرض في ذلك المقام مختصّ بخصوص قصد التفهيم وليس إلّا ، فلا جرم تنحصر العلقة الوضعية بحصّة إرادة قصد التفهيم.
فلا يقال : إنّ هذه الحصّة من الدلالة الوضعية المنحصرة بالدلالة التصديقية مصادمة للدلالة البديهية التصوّرية التي هي عبارة عن انتقال المعنى إلى الذهن بمجرّد سماع اللفظ.
فإنّه يقال : إنّ هذا التوهّم مندفع بما تقدّم منّا من أنّ هذه الدلالة الانتقالية التصوّرية غير مربوطة بالوضع ، بل إنّما هي ناشئة من انس الذهن الحاصل من جهة كثرة الاستعمال وأمثال ذلك ، لا من ناحية الوضع والدلالة الوضعية. فهذا التصوّر والخطور والانتقال من الامور العادية الدارجة في عادات بني نوع الإنسان بما لها من المنشأ في انتزاعها ، فمنشأ هذا الأمر العادي الموجود غير القابل للإنكار هو انس الذهن ، لا الوضع والاعتبار.
والحاصل أنّ اختصاص الدلالة الوضعيّة بالدلالة التفهيمية التصديقية على جميع التقادير بالنسبة إلى تمام المذاهب والآراء في بيان تفسير تحكيم حقيقة معنى الوضع في جميع المحاورات واللغات لأهل اللسان والبيان ، من دون أيّ فرق بين مسلكنا وبقيّة الأقوال والآراء.
ولا يذهب عليك أنّ هذا الاختصاص لازم حتمي بمسلك المختار على انحصار الوضع بالتعهّد ، لا على نحو الوضع بالنسبة إلى سائر الأقوال.