متولّدة عن خصوصية مخفيّة في ذات اللفظ والمعنى ، فلا بدّ من أن يعرف كلّ شخص من الأشخاص كلّ لغة من اللغات ، والحال أنّ ذلك الالتزام ضروريّ البطلان ، لأنّ أهل كلّ لغة ولسان لا يعلمون أكثر ألفاظ اللغات الأخرى ومعانيها في محاورتهم ولسانهم الذي ولدوا فيه وعاشوا أزيد من أربعين سنة مع ما لهم من الحاجة والابتلاء بها فيها ، فكيف يصح لغيرهم من أهل غير هذه اللغة أن يعرف جميع هذه المعاني بالدلالة الذاتية.
فهذا السنخ من الدلالة الوضعية بطلانه من الواضحات ؛ إذ الواضع لكلّ لغة ربما لا يعرف بعض المعاني منها من ألفاظها ، فكيف بحال غير الواضع ، لا سيّما إذا كان من غير أهل هذا اللسان ، كما إذا كان أعجميا يريد أن يعرف اللغة العربيّة ، وهكذا بالنسبة إلى غير العجم من أبناء سائر اللغات والمحاورات إذا قصدوا عرفان لغة من اللغات.
فإذا عرفت ذلك فاعلم أنّ هنا تنبيه آخر ، وهو عبارة عن أنّه لا ينبغي لأحد أن يلتزم بأنّ المعاني بتمامها إنّما تستفاد من الألفاظ ببركة القرائن في جميع المحاورات واللغات في تمام الأزمان والأعصار ، لا من حاقّ الألفاظ بحيث لا يبقى لأحد مجال للاستفادة من الألفاظ الموضوعة في الوصول إلى المعاني إلّا لخصوص الواضع ، فإنّ ذلك الالتزام يكون في نهاية البطلان بحيث تضحك منه الثكلى ، على أنّه يكون على خلاف الغرض والحكمة من الوضع ، كما أنّ المقدّمة الاولى كانت على خلاف الوجدان والواقع.
فإذا وقفت على بطلان هاتين المقدّمتين بالتفصيل المتقدّم ، ينقدح لك أنّ تبادر المعنى من حاقّ اللفظ في ظرف فقدان القرينة إلى ذهن السامع من الاستعمال كاشف عن أنّ ذلك اللفظ وضع في اللغة لذلك المعنى المتبادر منه بعنوان الحقيقة ، كشف المعلول عن علّته ، الذي يعبّرون عن تلك الدلالة ببرهان