تكون من المعاني والمفاهيم الحقيقية دون المجازيّة ، وذلك بلحاظ أنّ جواز الاستعمال ليس إلّا معلولا لأحد الأمرين ، الأوّل : الوضع. والثاني : القرينة. ولا سبيل للالتزام بالثاني ؛ إذ المفروض أنّ المتتبّع لم يجد القرينة ، بل وقف على انتفاء القرينة من ناحية الاطّراد الجاري في جميع تلك الموارد ، فإذن ينحصر الاستناد إلى الأوّل الذي ليس إلّا هو الوضع من الواضع بعنوان الحقيقة إن فرض القضيّة تدور مدار المنفصلة الحقيقيّة على سبيل منع الجمع ؛ إذ إطلاق الواحد لا يمكن أن يتّصف بكلّ من الحقيقة والمجاز ، والمجاز غير ممكن بلا قرينة ، فبانتفائها بالتتبّع تتعيّن الحقيقة بالقطع واليقين كالشمس في الافق المبين.
مثلا إذا رأيت أنّ العرب يستعملون لفظ (الماء) في مفهومه المعهود المعلوم ، ولكنّك شككت في أنّه من المفاهيم الحقيقيّة أو من المعاني المجازيّة ، فبإلغاء ما يحتمل أن يكون هو القرينة ـ كما تقدّم أمثلة ذلك في أوّل البحث من ناحية الاطّراد ـ عرفت بأنّ ذلك المعنى يكون من المعاني الحقيقيّة لهذا اللفظ دون المجاز ، لفقدان القرينة عليه. فإذن لا يكون فهمك منه هذا المعنى مستندا إلى شيء من القرائن بوجه من الوجوه من الحاليّة والمقاليّة ، فهذه الطريقة ثابتة غير قابلة للإنكار ، بل الأطفال إنّما يتعلّمون اللغات غالبا من ناحية هذه الطريقة في باب الألفاظ بلا ريب وإشكال.
فانقدح من جميع ما ذكرناه لك في المقام أنّ الاطّراد بهذا التوضيح والبيان الذي فسّرناه لك علامة للحقيقة ، وبه تمتاز الحقيقة عن المجاز لكلّ من يكون سالكا لإثبات الحقيقة عن طريق الاطّراد ، بل إنّ المنهج الوحيد والسبب الفريد لعرفان الحقيقة عن المجاز في أغلب الموارد في اللغات والمحاورات هو الاطّراد بهذا التفسير. إذ تصريح الواضع وإن كان أيضا من طرق كشف الحقيقة إلّا أنّه في نهاية الندرة. وأمّا التبادر فهو وإن كان مثبتا للوضع كما تقدّم ، ولكنّه لا بدّ