من دون الاحتياج في بيان ذلك إلى التماس دليل خاصّ لا محالة ، بلا أيّ فرق بين أن يكون إبراز هذا العهد والتعهّد والاعتبار في ضمن كلمة (وضعت) عند الوضع أو أمثالها الدالّة على ذلك التعهّد بالنصّ والتصريح بدلالة المطابقيّة ، أو يكون مظهره ومبرزه هو نفس ذات ذلك استعمال الدالّ على ذلك بالدلالة الالتزاميّة المعتبرة عند أهل الاستدلال بمعونة القرينة المأخوذة في الكلام ، مثل ما إذا قال والد المولود الذكر لزوجته بعنوان التسمية والوضع في ابتداء التولّد : جيئيني بالحسن الذي يكون في المهد.
وأمّا على الثاني ، فلأنّ اعتبار الملازمة أو الارتباط الخاصّ بين اللفظ والمعنى ـ أو نحوها من المعاني الخاصّة ـ مقدّم على الاستعمال بالبداهة والضرورة ، وإن كان إظهار ذلك بعهدة نفس ذات ذلك الاستعمال المتحقّق لبيان ذلك التعهّد والوضع عند نصب القرينة على تلك الخصوصيّة الوضعيّة التي اريدت من ذلك الاستعمال كالمثال المتقدّم ، وعلى كلّ حال فالاستعمال متأخّر عن الوضع من حيث اللحاظ لا محالة بالضرورة من الوجدان.
ونظير ذلك الهبة ، فإنّه ربما يبرزها بجملة (وهبتك) الدالّة عليها بالمطابقة ، واخرى يظهرها للمتّهب الحاضر عند الواهب بجملة (خذ العباء والثوب والبسهما) مثلا ، الدالّة على الهبة لا بالنصّ والتصريح المطابقي بل بالالتزام والملازمة.
فتحصّل من جميع ما ذكرناه في المقام اندفاع إشكال لزوم الجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالي على جميع المشارب والمسالك التي تقدّمت الإشارة إليها عند بيان تفسير حقيقة الوضع ؛ إذ الوضع إنّما هو عبارة عن أمر نفساني مستقرّ ثابت في وعاء النفس ، والاستعمال أمر خارج عن ذلك الوعاء ، فيكون الوضع سابقا على الاستعمال على الدوام في كلّ زمان ومكان.