وجود الجامع بين الأفراد الصحيحة ممّا لا بدّ منه على مسلك الصحيح ، وجعل الدليل على ذلك قاعدة فلسفيّة وهي عبارة من (أنّ الواحد لا يصدر إلّا من الواحد) إذ لا بدّ من فرض السنخيّة بين العلّة ومعلولها ، والواحد بما هو واحد ليس له سنخيّة مع الكثرة والكثير ، بل بما أنّه واحد في وعاء الوحدانيّة لا يعقل مسانخته للكثير بما هو كثير في وعاء الكثرة. إذن لا بدّ هنا من التعقّل والالتزام بأنّ العلّة أيضا تكون واحدة ، وهو ليس إلّا الجامع بين الكثير ، وذلك الجامع هو أمر واحد بالقطع واليقين ، وبذلك التقريب تتحصّل المسانخة بين العلّة والمعلول.
ثمّ جعل قدسسره موردنا هذا من موارد انطباق هذه القاعدة بتقريب أنّ الأفراد الصحيحة من الصلاة مثلا تشترك جميعها في أثر وحداني وهو النهي عن الفحشاء والمنكر ، بمقتضى قوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ)(١) ، كما أنّها تشترك في كونها «عماد الدين» و «معراج المؤمن» حسب ما ورد ذلك في غير واحد من الروايات (٢). وليس بمعقول أن يكون المؤثّر في ذلك الأثر البسيط الوحداني جميع الأفراد الصحيحة مع كثرتها المتقدّمة الإشارة إليها ، بما لها من الأنواع والأصناف المتقدّمة ، لما علمت من أنّ الواحد لا يسانخ الكثير ، فلا جرم يستكشف كشفا قطعيا عن وجود جامع أصيل وحداني مقولي بينها يكون هو المؤثّر الحقيقي بين تلك المصاديق والأفراد الصحيحة ، فيكون هو المؤثّر ـ ليس إلّا ـ في ذلك الأثر الوحيد الوحداني.
ولأجل ذلك التزم هو قدسسره أنّ تصوير الجامع بين الأفراد الصحيحة في فسحة من الإمكان ، بل هو ضروري ببداهة الوجدان مع ذلك البرهان ، بخلاف الأعمّي ،
__________________
(١) العنكبوت : ٤٥.
(٢) انظر جامع أحاديث الشيعة ٤ : ٣ ـ ٢٨ ، باب فضل الصلاة.