ومنها : أنّ يكون المولى في مقام بيان تمام مقصوده بالجدّ والحتم ، بخلاف ما إذا لم يكن في مقام بيان تمام مقصوده كما إذا كان في مقام البيان في الجملة ، كقول الطبيب للمريض : ادخل السوق واشتر الدواء ، إذ من الواضحات أنّ الطبيب عند أمثال تلك البيانات ليس في مقام بيان تمام المقصود من اشتراء الدواء والأكل كيفما اتّفق ، فلا يجوز للمريض أن يتمسّك بإطلاق كلام الطبيب في تلك الموارد في شرب كلّ ما يشكّ في صدق الدواء عليه من الأدوية والحبوب ، بل لا بدّ في أمثال تلك الموارد من الرجوع إلى الطبيب حتّى يدلّه على المقصود من المعالجة بالتفصيل والدقّة بالنسبة إلى استعمال الدواء.
والحاصل إذا لم يكن المولى في مقام البيان بالنسبة إلى تمام مقصوده فلا يجوز للعبيد والمكلّفين التمسّك بإطلاق كلامه ، كما لا يجوز التمسّك بإطلاق كلامه فيما إذا لم يكن في مقام البيان من الأصل والأساس ، أو كان ولكنّ الحكم لم يكن واردا على المقسم ، كما سيأتي بيان ذلك في باب الإطلاق والتقييد مفصّلا كقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً)(١) لنأخذ بإطلاقه حتّى في صدقه على ماء الكبريت ، إذ المولى إذا لم يكن في مقام البيان ، ولم يكن الحكم من قبله واردا على المقسم بحيث لم يكن قابلا للانطباق على الأفراد الصحيحة والفاسدة ، فكيف يجوز التمسّك بإطلاق كلامه في نفي مشكوك الجزئية عن المأمور به ؟
وبالجملة عند الأعمّي يجوز التمسّك بالإطلاق مع تماميّة هذه المقدّمات. بخلاف مسلك الصحيحي ، فإنّه محروم من التمسّك بالإطلاق في نفي مشكوك الجزئية والشرطية ، بل لا بدّ من الإتيان ، لأنّه يكون من قبيل الشكّ في المحصّل ،
__________________
(١) الفرقان : ٤٨.