الأغراض المطلوبة من مسألة اخرى.
فلا بأس بذكر تمثيل في المقام ليتّضح لك الحال في ذلك المجال ، فاعلم أنّ الاقتدار على الاستنباط الذي لا ينفكّ عن مباحث الألفاظ لا ربط له بالاقتدار الحاصل من مباحث الحجج والأمارات ، بل إنّه يباين ذلك الاقتدار.
وبعبارة أوضح : إنّ الاقتدار على الاستنباط الذي يترتّب على مباحث الألفاظ ليس كسنخ الاقتدار على الاستنباط المترتّب على مباحث الاستلزامات العقليّة ، بل بينهما مباينة. كما أنّهما يباينان ما يترتّب على مباحث الحجج والأمارات بما لها من الأغراض بالقطع واليقين ، إذ الاقتدار على الاستنباط المتحصّل من المباحث العقلية في حدّ التباين مع ما يترتّب على مباحث الحجج والأمارات ، فإنّ الاقتدار على الاستنباط المتحصّل من مباحث الاستلزامات القليّة اقتدار خاصّ على استنباط الأحكام الشرعيّة على نحو البتّ والحتم والجزم ، بخلاف الاقتدار الحاصل من مسائل الحجج والأمارات ، وهكذا إلى آخر مسائل علم الاصول.
والحاصل : إذا كان الأمر بهذا المنوال فلا طريق إلى إثبات جامع ذاتي وحدانيّ بين تلك المسائل وبين موضوعاتها ، إذ البرهان المذكور إذا تمّ فإنّما يتمّ في الواحد الشخصيّ الحقيقي البسيط فيما إذا لم يكن ذا جهتين أو ذو جهات ، فأين هذا من الواحد النوعي الذي ليس بواحد بحسب الحقيقة.
وقد تلخّص من جميع ما ذكرناه في المقام أنّ الأمر إذا كان كذلك فلا يبقى لنا طريق إلى إثبات جامع ذاتي وحدانيّ بين موضوعات هذه المسائل ؛ إذ البرهان المذكور لو تمّ فإنّما يتمّ في الواحد الشخصيّ البسيط على النحو الذي لا تكون له جهتان ولا جهات متعدّدة ، فضلا عن كونه واحدا نوعيّا وأنّه ليس بواحد من الأصل والأساس بالوضوح والإشراق.