مقبول ومعنى صحيح ، وذلك لما حقّقناه سابقا من أنّ المشهور من أنّ الإنشاء إيجاد المعنى باللفظ باطل ، إذ أنّهم إن أرادوا به الإيجاد التكويني الحقيقي الخارجي فهو أمر غير معقول ، لوضوح عدم كون اللفظ واقعا في سلسلة علل وجوده وأسبابه ، وإن أرادوا بذلك الإيجاد الجعلي الاعتباري فمردود أيضا ، لأنّه يوجد بنفس اعتبار المعتبر بلا احتياج إلى التلفّظ بالألفاظ وعدمه ، لأنّ اللفظ لا يكون سببا لإيجاده ولا آلة له ، فيكون اللفظ من هذه الجهة خارجا عن محلّ الاحتياج والابتلاء من أصله. كيف وإنّ الأمر الاعتباري لا واقع له إلّا اعتبار الجاعل والمعتبر في وعاء افق النفس ، وأمّا الخارج عنه من اللفظ والكتابة والإشارة والفعل فأجنبيّ عنه بالكلّية من المعنى والواقع ، وأنّها مبرزات عن ذلك الاعتبار والجعل.
نعم إبراز ذلك الأمر الاعتباري وإظهاره في الخارج عند التفهيم والإفهام يحتاج إلى مبرز ، وذلك المبرز ربّما يكون هو اللفظ ـ بل الغالب يكون هو اللفظ ـ وقد يكون إشارة ، وقد يكون كتابة ، وقد يكون فعلا.
ومن هنا ذكرنا في بحث المعاملات أنّها أسام للمركّب من الأمر الاعتباري النفساني وإبرازه باللفظ أو نحوه في الخارج ، فإنّ الآثار المترقّبة منها لا تترتّب إلّا على المركّب من الأمرين ، فالبيع والإيجار والصلح والنكاح وأمثالها لا تصدق على مجرّد الاعتبار النفساني من دون إبرازه في الخارج بمبرز ما ، فلو اعتبر أحد ملكيّة داره لزيد أو ملكيّة فرسه لعمرو من دون أن يبرزها في الخارج باللفظ أو ما شاكله ، فلا يصدق أنّه باع داره من زيد ، أو سيارته أو فرسه من عمرو.
كما لا تصدق هذه العناوين على مجرّد إطلاق اللفظ أو نحوه بلا اعتبار نفساني ، كما إذا كان في مقام تعداد صيغ العقود أو الإيقاعات ، أو كان التكلّم بها بداع آخر غير الدلالة والإبراز لما في افق النفس من الاعتبار والقرار من الامور