نعم هنا نقطة افتراق في الشرع والعقل فيما إذا كان مباشر البيع هو الصبي المميّز ، فإنّ مثل هذا البيع والاعتبار يتّصف بالصحّة عند العقلاء دون الشرع المقدّس.
وبعبارة اخرى : فإنّه كما أنّ الصيغة تتّصف بالصحّة والفساد ، فيقال : باع بالصيغة العربيّة الصحيحة ، وبالعكس يقال : إنّه باع بغير الصيغة العربيّة الصحيحة ، فكذلك الاعتبار ، إذ يصحّ أن يقال : إنّ هذا البيع لا اعتبار به ، لأنّه صدر من غير العاقل ، ويصحّ أن يقال : إنّ هذا بيع معتبر صحيح لصدوره من المالك العاقل الرشيد المميّز الملتفت القاصد.
فعلى هذا التقريب انقدح أنّه لا أساس ولا أصل لما أفادوا من أنّ المعاملات إذا كانت أسامي للمسبّبات لم تتّصف بالصحّة والفساد ، بل هي عند ذلك إمّا موجودة أو معدومة. فإنّ ذلك إنّما يتمّ لو كان المسبّب عبارة عن إمضاء الشرع ، إذ من الواضح أنّه غير قابل للاتّصاف بالصحّة والفساد ، بل هو أمر دائر بين التحقّق وعدمه. وكذا إذا كان عبارة عن إمضاء العقلاء ، فإنّه أيضا لا يقبل الاتّصاف بهما ، بل هو إمّا موجود أو معدوم.
ولكن قد عرفت أنّ المسبّب هنا ليس بإمضاء شرعي أو عقلائي بالقطع واليقين ، إذ من الواضح الضروري أنّ المعاملات من العقود والإيقاعات أسام للأفعال الصادرة من آحاد بني الإنسان في مقام المعاملة ، فالبيع مثلا اسم وموضوع للفعل الصادر عن البائع ، والنكاح اسم للفعل الصادر عن الناكح ، والهبة اسم موضوع للفعل الصادر عن الواهب ، إلى غير ذلك من العقود والإيقاعات ، ومن البديهي أنّها أجنبية عن مرحلة الإمضاء من الأصل والأساس.
نعم ، ربما تقع موردا للإمضاء إذا كانت واجدة للشرائط من ناحية الاعتبار أو مبرزه ، وقد لا تكون موردا له إن كانت فاقدة لها كذلك.