الاعتباريّة التي لا واقع لها إلّا اعتبار من بيده الاعتبار ، لأنّ محمولات مسائل علم الفقه تنقسم إلى قسمين : التكليفيّة ، مثل الوجوب والحرمة والإباحة والكراهة والاستحباب. والوضعية ، مثل الملكيّة والزوجيّة والرقّية وأمثال ذلك. فمن الواضح أنّ هذين القسمين إنّما يكونان من الامور الاعتباريّة التي لا ظرف لوجودها إلّا عالم الاعتبار.
وفي قبال هذين القسمين قسم آخر يسمّى بالشرطيّة والسببيّة والمانعيّة وأمثال ذلك ، يعبّر عنه بالامور الانتزاعية التي هي منتزعة من مناشئها انتزاعا من القيود الوجوديّة والعدميّة المأخوذة في متعلّقات الأحكام أو موضوعاتها ، وأنّها لا تكون موجودة في عالم الاعتبار إلّا بتبع منشأ انتزاعها. فلا يخفى أنّها في الكلّ تكون تحت اختيار الشارع من حيث الرفع والوضع ، إذ يكون منشأ انتزاعها بيد تصرّف الشارع المقدّس كذلك.
بل يمكنك أن تقول : إنّ محمولات مسائل علم الفقه على نحوين : واحد منهما موجود في ظرف الاعتبار بالأصالة ، بلا احتياج إلى منشأ أيّ اعتبار من غير ناحية الشارع ، كتمام الأحكام الشرعيّة التكليفيّة ، وغير واحد من الأحكام الوضعيّة. وهنا سنخ آخر له وجود في عالم الاعتبار لا بالأصالة ، بل بتبع منشأ اعتبار شيء آخر كعدّة اخرى من الأحكام الوضعيّة.
وقد بقي هنا أحوال بعض محمولات علم الاصول ، وقد وقفت على ظهور حالها بما ذكرنا في بيان حال الأحكام التكليفيّة ، نظير حجّية خبر الواحد ، والإجماع المنقول ، وظواهر الكتاب وأمثالها كواحد من الخبرين المتعارضين في ذلك الحال ، فإنّها داخلة في الامور الاعتباريّة بحسب الواقع والحقيقة ، كما إنّ البراءة والاحتياط الشرعيّين داخلان في هذا السنخ من الأحكام الاعتبارية.
فلا بدّ لنا هنا من بيان محمولات سنخ مباحث الألفاظ والاستلزامات العقليّة