فلا وجه في حرمتها كما لا يخفى.
وقد بقي هنا شيء لا بدّ لنا من الإشارة إليه ليتّضح لك عدم ورود إشكال شيخنا الاستاذ قدسسره (١) عليه ، وهو عبارة عن أنّ النزاع في هذه المسألة مختصّ بالهيئة في سعة مفهومها الاشتقاقي وضيقه ، من دون وجه اختصاص لها بمادّة دون مادّة ، من دون أن يكون له نظر إلى كيفية المادّة بأنّها ذاتيّة أو عرضية ، وأنّ بزوالها تنعدم الذات أو أنّها باقية ، إذ كلّ ذلك غير دخيل في محلّ البحث والنزاع.
نعم المادّة إذا كانت ذاتيّة لا يعقل فيها بقاء الذات عند زوال التلبّس ، ولكن لا ينبغي الغفلة في أنّ الهيئة غير مختصّة بها ، بل الحقّ والإنصاف يقضي بأنّها تعمّ ما يعقل فيه بقاء الذات عند زوال التلبّس.
مثلا المادّة في الناطق بالقطع واليقين تكون ذاتية ، ولكنّ الهيئة بالقطع واليقين لا يختصّ وضعها بها ، بل يشمل غيرها كالقائم ونحوه من الهيئات ، كما أنّ الأمر يكون كذلك في مادّة الحيوان ، فإنّها ذاتيّة ولا يعقل بقاء الذات بدونها ، إلّا أنّ الهيئة غير مختصّة بها ، بل تعمّ غيرها أيضا ، نظير العطشان وأمثاله ، وهكذا بالنسبة إلى بقيّة الهيئات.
وبالجملة : فإنّ لبّ المقصود عبارة عن أنّ النزاع هنا مختصّ بوضع الهيئة فقط ، وأنّها وضعت لمعنى وسيع عامّ ، أو أنّها موضوعة لمعنى ضيّق خاصّ فقط ، ولا ينظر إلى المادّة والمبدأ أصلا وأبدا.
فانقدح بذلك التحقيق أنّه لا فرق بين أن يكون المبدأ ذاتيّا أو عرضيا ، فإنّ ذاتية المبدأ غير مضرّة بوضع الهيئة للأعمّ ، إلّا أنّه إذا كان وضع الهيئة مختصّا بذلك المبدأ كما في العناوين الذاتية ، فبما أنّ الوضع فيها شخصي فالنزاع
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ٥٣.