عرفت فيما تقدّم أنّ وضع الهيئات نوعي لا شخصي ، فمن باب المثال : هيئة (فاعل) وضعت لمعنى ، وهيئة (مفعول) وضعت لمعنى ، وزنة (مفعل) بضمّ الميم وكسر العين وهي (اسم فاعل من باب الإفعال) وضعت لمعنى ، وهكذا إلى آخر الهيئات من المجرّد والمزيد فيها ، إذ من البديهيات أنّ عدم جريان النزاع في بعض أفراد الهيئة من جهة عدم إمكان بقاء الذات فيها مع زوال المبدأ ، لا يوجب عدم جريانه في كلّي الهيئة التي تعمّ ما يعقل فيه بقاء الذات مع انقضاء المبدأ ، ولا يكون البحث حينئذ من سعة مفهوم هذه الهيئة وضيقه لغوا بعد ما كانت الذات باقية حال الانقضاء في جملة من المواد.
ولا يذهب عليك أنّ ما نحن فيه من هذا القبيل ، فإنّ النزاع إنّما يكون في وضع هيئة مفعل ، وهيئة فاعل ، وهيئة مفعول ، ولا ريب أنّ هذه الهيئات لا تختصّ بالمواد التي لا يعقل فيها بقاء الذات مع زوالها ، كالممكن والواجب والممتنع والعلّة والمعلول ، وما شاكل ذلك ، لئلّا يجزي النزاع فيها ، بل تعمّ ما يمكن فيه بقاء الذات مع زوال التلبّس وانقضاء المبدأ عنها ، كالمقيم والمنعم والقائم والضارب والمملوك والمقدور وأشباه ذلك. ومن البيّن أنّ عدم مجيء النزاع في بعض المصاديق والأفراد لا يوجب لغويّة النزاع عن الكلّي ، بعد ما كانت الذات بالنسبة إلى أكثر مصاديقها قابلة للبقاء مع زوال المادّة.
نعم لو كانت الهيئة في مثل لفظ الممكن وما يقابلانه موضوعة بوضع على حدة ، لكان لما أفاده هو قدسسره مجالا واسعا ، ولكان البحث عن سعة مفهومهما وضيقه حينئذ لغوا محضا ، إلّا أنّ الأمر ليس كذلك ، فإنّ الهيئة فيها موضوعة في ضمن وضع لفظ جامع بينها وبين غيرها بوضع نوعي ، وهو عبارة عن هيئة مفعل مثلا.
ما ذكره هو قدسسره فيه خلط بين جريان النزاع في الهيئات العامّة التي لا يختصّ