المنوال عند من يقول بدلالة الأفعال على الزمان على نحو التقييد ، بتقريب أن يكون الفعل الماضي بالوضع اللغوي للدلالة على وقوع النسبة في الزمان الماضي لعدم الدليل على ذلك.
والحاصل أنّ المشهور بين النحاة وأهل الأدب دلالة الأفعال على الزمان ، فالفعل الماضي يدلّ على شيئين : أحدهما على تحقّق المبدأ ، والثاني على تحقّقه في الزمن السابق على التكلّم ، كما أنّ فعل المضارع يدلّ تحقّقه في الزمن المستقبل أو الحال ، كدلالة صيغة الأمر على الطلب في زمان الحاضر.
ولأجل ذلك ذكروا أنّ الاسم يدلّ على معنى في نفسه ، والحرف يدلّ على معنى في غيره ، بخلاف الفعل ، فإنّه يدلّ على المعنى مقترنا بأحد الأزمنة الثلاثة من الماضي والمستقبل والحال.
خلافا للمحقّق صاحب الكفاية قدسسره حيث أنكر تلك الدلالة منهم أشدّ الإنكار ، واستدلّ على مدّعاه بصحّة استعمال تلك الأفعال في نفس مفهوم ذات الزمان ، بلا احتياج إلى لحاظ عناية جانب المجاز والتجريد ، كقول القائل : مضت الأيام والاسبوع والشهور والسنوات من عمر أهل الدنيا وهم في غرور من العصيان والفساد.
بل نرى بعنوان الحقيقة أنّهم يستعملون الأفعال في نفس الزمان بلا تجريد وعناية ويقولون : مضت القرون والدهور ، مع أنّ هذه الأفعال إذا كانت موضوعة للدلالة على إبراز تحقّق النسبة في الزمان الماضي فلا بدّ من أن لا يكون هذا السنخ من الاستعمال صحيحا إلّا بالتجريد عن الوضع الأوّل بالعناية والمجاز ، والحال أنّ هذا القبيل من الاستعمال من القديم إلى الآن في المحاورة موجود ومتلقّى بالقبول بعنوان الحقيقة عند الكلّ من أهل اللغة والمحاورة ، مع أنّها إذا كانت موضوعة لما تقدّم عن المشهور فلا بدّ من تجريدها عن ذلك المعنى