الثاني : أنّ كلا من الفعل الماضي والمضارع يدلّ على خصوصيّة بها يتميّز أحدهما عن الآخر ، وهذه الخصوصية مأخوذة في المعنى على نحو التقييد ، فيكون معنى الفعل الماضي تحقّق المادّة والمبدأ مقيّدا بكونه قبل زمن التلفّظ بنحو دخول التقيّد وخروج القيد ، وحقيقة معنى المضارع عبارة عن تحقّق المادّة والمبدأ مقيّدا بكونه في زمن التكلّم أو فيما بعده.
ولا يخفى أنّ كلام سيّدنا الاستاذ دام ظلّه هاهنا لا يخلو عن الإجمال ، إذ هذه الخصوصيّة ليست ملحوظة ومأخوذة فيهما من قبل الواضع أو المستعمل بعنوان القيد الخارج اللازم ، بل تكون من لوازم ذات كيفيّة وقوع المبدأ والمادّة في فاعل الزماني من الماضي والمضارع.
هذا كلّه بالنسبة إلى ما إذا كان الفعل مطلقا دالّا على تحقّق المادّة ونسبتها إلى الذات قبل زمن التكلّم أو مقارنا معه أو متأخّرا عنه ، ولكن لا يذهب عليك أنّه قد يقيّد بالسبق واللحوق أو التقارن بالإضافة إلى شيء آخر غير التكلّم ، إذ لا يكون الماضي ماضيا حقيقة والمستقبل مستقبلا واقعيا كذلك ، وإنّما سمّي ماضيا ومستقبلا بالإضافة إلى شيء آخر ، كما في قولنا : جاء زيد في شهر رجب المرجّب وقد ضرب عمروا قبله باسبوع ، فالسبق هنا إنّما يلاحظ بالإضافة إلى شيء آخر وهو مجيء زيد ، لا زمن التكلّم.
وبالجملة ، لا ريب في حسن صحّة استعمال الماضي والمضارع في هذه الموارد في اللغة العربيّة وغيرهما.
فانقدح بهذا البيان أنّ الملاك والمعيار في صحّة استعمال الماضي جامع السبق ، بمعنى أنّ السبق لا ينفكّ عنه ، من دون فرق بين ما كان بالإضافة إلى زمن التكلّم أم كان بالإضافة إلى شيء آخر ، وإن كان الظاهر عند الإطلاق خصوص الأوّل. والمعيار والملاك في صحّة استعمال المضارع جامع التقارن أو اللحوق ،