نفس القيام ، كما أنّ العالم بحسب الحقيقة في الخارج ليس إلّا تلبّس المبدأ أي العلم بالذات ، فيكون العالم عبارة عن العلم ، والامتياز والفرق بينهما من ناحية لا بشرط وبشرط الآتية.
فعلى ضوء هذا البيان لا يبقى شكّ لأحد أنّه إذا زال المشتقّ عن الذات من جهة عروض النسيان فبالتحقيق قد زال عنه مبدأ العلم بالقطع واليقين ، إذ زوال المشتقّ على القول بالبساطة غير منفكّ عن زوال المبدأ عن الذات ، فإذا زال عن (زيد) مبدأ العلم من الأصل والأساس ، كيف يعقل أن تكون هيئة (عالم) اسما له ، وكيف يعقل صحّة إطلاقها واستعمالها فيه بعنوان الحقيقة ، وأنّها وضعت له ؟ وأنّه يكون هو المسمّى والموضوع لها من قبل الواضع في اللغة العربيّة ؟ إذ لا يعقل أن يكون العالم اسما بالوضع لمن يكون متلبّسا بالمبدإ ، ولمن زال عنه المبدأ ، لعدم إمكان وجود قدر جامع بين التلبّس بالمبدإ وبين المنقضي عنه المبدأ ، ليتمكّن الواضع أن يضع المشتقّ لذلك الجامع المشترك بينهما ، ليمكن أن يكون المشتقّ موضوعا لذلك الجامع الكلّي.
وبالجملة ، لا شكّ في عدم إمكان تعقّل صدق العلم والعالم على ذات من زال عنه المشتقّ والمبدأ كلاهما ، بل المقام يكون أسوأ حالا من الجوامد المستحيلة المتبدّلة ، لأنّ الجوامد بعد حدوث التحوّل والاستحالة والانتقال فيها بالنسبة إلى تغيير صورتها النوعية تكون عنصر المادّة بما لها من الملكوت والهيولى بحالها باقية ، فيصدق عليها بأن يقال إنّها تكون مادّة الهيولائيّة الباقية من ذلك الإنسان الذي قال الله تبارك وتعالى في وصف تلك الصورة النوعية المكرّمة : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ)(١) بخلاف موارد انقضاء المشتقّ عن الذات في باب
__________________
(١) المؤمنون : ١٤.