وأجاب صاحب الكفاية قدسسره (١) وجماعة من الفلاسفة المتأخّرين منهم السبزواري في حاشيته على المنظومة (٢) عن ذلك الإيراد الذي أورده المحقّق الشريف على التركيب أنّ الناطق فصل مشهوري ، وليس بفصل حقيقي ليكون مقوّما للجوهر النوعي ، وذلك من جهة أنّ الاطلاع على معرفة حقائق الأشياء مختصّ بعلّام الغيوب ، لتعذّر معرفة غيره بها بما لها من الفصول الحقيقيّة ، بل الحقّ عدم إمكان وصول أحد إليها ما عدا خالقها وهو البارئ تعالى عزوجل ، ولأجل ذلك وضعوا مكانه ما هو لازمه وخاصّته ليعرفوه به ويشيروا به إليه.
فلا يخفى عليك أنّ الناطق ليس بفصل حقيقي فلسفي منطقي للإنسان ، بل هو فصل مشهوري بعنوان أظهر الخواصّ وضع مكانه ليشير به إلى الإنسان في مقام التعريف به والإشارة إليه به. وذلك من جهة أنّ النطق المأخوذ في مفهوم الناطق : إن اريد به النطق الظاهري الذي هو خاصّة من خواصّ الإنسان فهو كيف مسموع ، فلا يعقل أن يكون مقوّما للجوهر النوعي. وإن اريد به الإدراك الباطني ـ أعني إدراك الكليّات ـ فهو كيف نفساني وعرض من أعراض الإنسان أيضا ، فكيف يكون مقوّما له ؟ فإنّ العرض إنّما يعرض للشيء بعد تقوّمه بذاته وذاتيّاته وتحصّله بفصله وحدوده الواقعيّة.
وكيف ما كان ليس النطق فصلا حقيقيا للإنسان ، كما أنّ الناهق والصاهل ليس فصلا حقيقيا للحمار والفرس ، وذلك من جهة أنّ الفصول الحقيقيّة لا يمكن الاطّلاع عليها لغير علّام الغيوب ، هذا مع أنّ المراد من النطق إذا كان هو معناه
__________________
(١) كفاية الاصول : ٧١.
(٢) شرح المنظومة : ٣٥.