فإذن كيف يمكن أخذ الشيء في المشتقّ على نحو الإرسال والإبهام أو الإجمال ؟
وجوابه ينقدح ممّا تقدّم عن صاحب الكفاية وما ذكره شيخنا الاستاذ قدسسرهما (١) وبيان ذلك أنّ الشيء تارة يلاحظ مطلقا ولا بشرط بنحو الإرسال الحقيقي ، واخرى يلاحظ مقيّدا بقيد ، وذلك القيد والاعتبار إمّا أن يكون مباينا للإنسان ، أو يكون من القيود المساوية له ، أو عامّا أو خاصّا.
فلا يخفى عليك أنّه إن لوحظ على النحو الأوّل من الإرسال والإطلاق بنحو لا بشرط فثبوته وإن كان للإنسان وغيره ضروريا ، إلّا أنّه خارج عن الفرض.
وإن لوحظ على الشكل الثاني فلا جرم أنّ القيد الملحوظ فيه إذا كان أمرا مباينا للإنسان امتنع ثبوته له ، كما إذا لوحظ الشيء مقيّدا بالطيران إلى السماء ، أو أمثال ذلك ، فإنّه مع هذا القيد يستحيل صدقه عليه ، فبالبداهة أنّ الامتناع في مثل تلك الموارد من الواضحات الضروريّة.
وإن كان القيد أمرا مساويا له ، فهو إمّا أن يكون ممكن الثبوت له ، أو ثبوته ضروري. فعلى الأوّل : فإنّ القضية ممكنة ، كقولنا : الإنسان ضاحك أو متعجّب أو كاتب أو قائم ، وكلّ ما يكون من هذا السنخ من الأوصاف فهي ممكنة. وعلى الشكل الثاني : هو ضروري بالقطع واليقين ، كقولك : الإنسان متكلّم أو ناطق.
وإن كان عامّا فثبوته له دائما ضروري ، كقولنا : الإنسان حيوان أو ماش أو جوهر ، وما يكون بهذا الشكل من القضايا.
وإن كان خاصّا فثبوت الإنسان له ضروري على عكس المقام ، كقولك : زيد إنسان ، العربيّ إنسان ، العجمي إنسان ، إلى ما لا نهاية له من الأمثلة في
__________________
(١) أجود التقريرات : ٧١ ـ ٧٢.