عبارة عن اعتبار المغايرة بين المبدأ والذات ، فإنّه بعد الفراغ عن اعتبارها يقع الكلام في الجهة الثانية وأنّ ما كان المبدأ فيه متّحدا مع الذات بل عينها خارجا ، كيف يعقل قيامه بالذات وتلبّس الذات به ؟ لأنّه من قيام الشيء بنفسه وهو محال ، إذ تعقّل التلبّس على نحو المتعارف في الممكنات من حيث القيام غير ممكن في صفاته عزوجل.
فلا بدّ لنا قبل البحث عن هذين الجهتين من تحرير محلّ النزاع في صفاته تبارك وتعالى ، في ضمن بيان مقدّمة مفصّلة تكون منشأ التفصيل في بيان صفات الذات وغيرها من صفات الأفعال.
واعلم أنّ هذه المقدّمة عبارة عن أنّ الصفات الجارية على الله عزوجل على شكلين :
أحدهما : صفاته الذاتية ، وهي التي يكون المبدأ فيها عين الذات : كالعالم والقادر والحيّ والسميع والبصير ، وقد ذكرنا في بحث التفسير أنّ رجوع الأخيرين يكون إلى العلم أيضا ، إذ أنّهما علم خاصّ وهو العلم بالمسموعات والمبصرات (١).
وثانيهما : صفاته الفعليّة ، وهي التي يكون المبدأ فيها مغايرا للذات : كالخالق والرازق والمتكلّم والمريد والرحيم والكريم ، وما شاكل ذلك ، فإنّ المبدأ فيها ـ وهو الخلق أو الرزق أو نحوه ـ مغاير لذاته تعالى.
فإذا علمت ذلك فانقدح لك أنّ ما ذكره المحقّق صاحب الكفاية لا يخلو من الخلط بين صفات الذات وصفات الأفعال ، إذ عدّ قدسسره الرحيم من صفات الذات مع أنّه يكون من صفات الفعل (٢).
__________________
(١) البيان في تفسير القرآن : ٤٣٢.
(٢) كفاية الاصول : ٧٦.