وعلى كلّ حال ، فبهذه المقدّمة اتّضح لك هذا الخلط الصادر منه في المقام. فإذن نقول : إنّ صاحب الفصول قدسسره ذهب بالنسبة إلى الصفات العليا والأسماء الحسنى الجارية على الله عزوجل إلى النقل والتجوّز من ناحيتين :
الاولى : من جهة عدم المغايرة بين مباديها والذات.
والثانية : من ناحية عدم قيامها بذاته المقدّسة وتلبّسها بها لمكان العينيّة بينها وبين ذاته تعالى (١).
وقد بقي الكلام في جواب صاحب الكفاية وشيخنا الاستاذ قدسسرهما (٢).
وجوابهما يتلخّص في أنّ المبدأ في الصفات العليا له عزوجل وإن كان عين ذاته المقدّسة ، إلّا أنّ الاتّحاد والعينيّة إنّما تكون في وعاء الخارج والوجود ، لا في عالم المفهوم واللحاظ والتصوّر ، فالمغايرة في المفهوم تكفي في صحّة الحمل في المحاورة بعنوان الحقيقة دون المجاز ، فإنّ مفهوم المبدأ كالعلم أو القدرة مغاير لمفهوم ذاته عزوجل ، إذ الوجدان يشخّص أنّ مفهوم العلم مغاير لمفهوم كلمة (الله) التي هي من الأسماء التوقيفية لذاته المقدّسة من حيث المفهوم بالقطع واليقين ، وهذا المقدار من الغيريّة ولو بلحاظ المفهوم يكفي في خروج الحمل عن حمل شيء على نفسه وذاته ، ويكون مصحّحا للحلّ والجري.
فبذلك التقريب من التغاير المفهومي يخرج الحمل عن محذور حمل الشيء على نفسه ، ولا نحتاج إلى التمسّك بالمجاز والنقل الذي التزم به صاحب الفصول ، فإذن لا يبقى مجال للالتزام بالتجوّز في حمل صفات الذات عليه تبارك وتعالى ، إذ من البديهي الوجداني أنّ مباديها ـ كما سبق آنفا ـ مغايرة للذات من
__________________
(١) الفصول الغرويّة : ٦٢.
(٢) انظر كفاية الاصول : ٧٤ ، وأجود التقريرات ١ : ٨٤.