فتلخّص من جميع ما ذكرنا مفصّلا أنّ البحث عن هذه المسألة على مجموع تلك المسالك المتقدّمة بحث عن عوارض الخبر من دون أن يكون من عوارض السنّة الواقعيّة بوجه من الوجوه ، مع أنّ ما اختاره قدسسره في المقام إذا كان صحيحا إنّما يتمّ في خصوص هذه المسألة دون غيرها من المسائل المتقدّمة ، وقد عرفت بالتفصيل أنّ الإشكال المذكور غير مختصّ بها.
ولذا عدل هو قدسسره عن مسلك المشهور ، واختار أنّ موضوع العلم عبارة عن جامع مقولي واحد يجتمع جميع تلك المسائل المختلفة في توسعة جناحه الجامع لجميع موضوعاتها المتشتّتة (١).
ولكنّ الإنصاف أنّ تفصيل الكلام كما هو حقّه مرّ عليك بما لا مزيد عليه ، إذ بيّنا هناك بالتفصيل الدقيق المحقّق بعدم وجدان قيام الدليل والبرهان على لزوم موضوع كذلك في جميع العلوم ، حتّى تبلغ النوبة إلى علم الاصول ، فإذن يبقى علم الاصول بلا موضوع جامع مقولي خاصّ كسائر العلوم.
ومع ذلك كلّه لو أنكرت وأغمضت عن تلك البراهين الواضحة والأدلّة المتظافرة التي هي غير قابلة للإنكار ، وأصررت على لزوم الموضوع لكلّ علم من العلوم ولو كان ذلك الموضوع من الموضوعات العنوانية ، مثل عنوان الكلمة والكلام في مسائل علم النحو ، وفعل المكلّف في علم الفقه ، وعنوان المعلوم التصديقي والتصوّري في علم المنطق.
فنقول : إنّ ذلك موجود في علم الاصول بلا شكّ وريب ، وهذا الموضوع هو الجامع الذي يكون قابلا للانتزاع من مجموع تلك المسائل المتباينة ، فلقائل أن يقول : إنّ موضوع علم الاصول كلّ ما يمكن أن يكون نتيجة البحث عنه واقعا في
__________________
(١) كفاية الاصول : ٢٢.