منفردا ، أو بمساعدة أشخاص مشخّصين من أهل كلّ لغة من اللغات الذين لهم التمكّن لوضع الألفاظ بإزاء ما لها من المعاني ، لاشتهر وبان ؛ إذ كان من أكبر خدمات البشر في عرصة التأريخ ، وكان الواجب على أهل التأريخ التصدّي لبيانه وضبطه وتحريره وتقريره لما له من الأهميّة ؛ إذ هم المسئولون عن ضبط أخبار السلف الماضين وإبلاغها إلى أهلها ، خصوصا مثل هذا الأمر المهمّ الذي له تعلّق بجميع التواريخ ، مع أنّه بقي نسيا منسيّا من دون أن يكون عن حدوث الوضع من شخص واحد في كلّ عصر وزمان ماض عين ولا أثر.
فانقدح لك بهذا البيان الواضح أنّ البشر لو كانوا أهلا لهذا التصدّي وكانوا هم الواضعين لاشتهر وبان بحدّ المتواترات في التواريخ ، إذ أنّهم تحمّلوا نقل ما يكون دونه من حيث الأهميّة ، فكيف أسقطوا ذلك وأغمضوا عن ضبطه ونقله ؟
ولكنّ الحقّ والإنصاف أنّه لا يمكننا المساعدة على ما أفاد قدسسره بل لنا في التأمّل في جميع تلك الموارد مجال واسع ، وسنبيّن لك ذلك.
أمّا الوجه الأوّل ، فضعفه أظهر من الشمس في رابعة النهار ، وضعفه يظهر ممّا ذكره قدسسره واعتمد عليه من الأمرين المذكورين اللذين قرأناهما عليك.
وأمّا الثاني ، فردّه من الواضحات ، إذ أنّه من الامور الغيبيّة مختصّ بمن له تخرّص على المغيّبات ، وليس من الامور الاستدلاليّة ، إذ قد انقدح لك فيما سبق عدم وجدان الدليل على وجود هذه المناسبة فيما بين الألفاظ والمعاني ، بل أقمنا البرهان والدليل على فقدانها في ذلك كلّه.
وأمّا الثالث ، فمحلّ إشكال من جهة أنّا إن سلّمنا ـ على فرض المحال ـ بوجود تلك المناسبة الذاتية بين اللفظ والمعنى ، فكيف يمكننا أن نسلّم أنّ الواضع لاحظ لكلّ واحد من الألفاظ والمعاني هذه الخصوصيّة على طبق تلك المناسبة. فلا نسلّم أنّ الواضع لاحظ بالحتم واليقين تلك المناسبة عند الوضع في