كلّ لفظ ومعنى بمعنى جعله لكلّ معنى لفظا مخصوصا على طبق تلك المناسبة ، لعدم الاحتياج إلى هذا اللحاظ بتلك الخصوصيّة ، لحصول الغرض من الوضع في فرض فقدان تلك المناسبة.
فإذن فأيّ حاجة ألجأتنا إلى لزوم رعاية هذه المناسبة عند الوضع ، فلا محالة يبقى بلا دليل ، إلّا أن يتمسّك من باب الاضطرار بقاعدة استحالة الترجيح بلا مرجّح ، وذلك لا يسمن ولا يغني من جوع ، إذ وقفت فيما سبق على بطلانها.
وقد بقي الكلام في بيان الأمر الرابع ، فلا يخفى أنّ ذلك عبارة عمّا أفاده قدسسره عند بيان الوضع أنّه أمر وسط بين الامور التكوينيّة والجعليّة ، فلا يخفى عليك أنّ كلامه هذا لا حاصل له من حيث النتيجة ؛ إذ الواسطة معدومة بينهما ، إذ من الواضحات الأوّليّة أنّ الشيء لو كان من الموجودات التكوينيّة الحقيقيّة التي ليس لوجودها توقّف في الخارج على اعتبار أيّ معتبر ، فمن البديهي أنّه يكون في صفّ الموجودات التكوينيّة ، وإلّا فصفّه صفّ الامور الاعتبارية الجعليّة ، من دون إمكان فرض فرد ثالث ليكون هو الواسطة بين الأمرين.
وقد بقي الكلام في بيان حديث الإلهام.
فلا يخفى عليك أنّه حديث معتبر صحيح من دون أن يكون اختصاصه بالوضع فقط.
وقد تكلّمنا في بيان ذلك عند تفسير قوله تبارك وتعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)(١) أنّه عزّ اسمه كما منّ على عباده بهدايتهم تشريعا وسوقهم إلى الحياة الأبديّة بإرسال الرسل وإنزال الكتب عليهم ، كذلك جعلهم في امتنانه تكوينا حيث ألهمهم المسير إلى نحو كمالهم ، بل إنّ هذه الهداية موجودة في
__________________
(١) الفاتحة : ٦.