جميع الموجودات ، فهي تسير نحو كمالها بطبعها أو باختيارها ، والله تعالى هو الذي أودع فيها قوّة الاستكمال ، فترى الفأرة تفرّ من الهرّة ولا تفرّ من الشاة (١).
وبالجملة فلا يخفى عليك أنّ مسألة الإلهام لا ربط لها بالوضع ، بل الحقّ والإنصاف أنّها أجنبية عن تحقّق معنى الوضع بالكليّة والذات ، إذ من البديهيات أنّ الإلهام داخل في الامور التكوينيّة الواقعيّة من دون أن يكون له وجه اختصاص بباب وضع الألفاظ لمعانيها من الأصل والأساس. وإنّما المبحوث عنه هو بيان معنى الوضع بحسب الحقيقة ، سواء كان بإلهام من جانب الله أو لم يكن كذلك.
وقد انتهى كلامنا إلى بيان الأمر الخامس.
وملخّص الكلام في بيان ذلك الأمر عبارة عن استناده فيما التزم به من أنّ الله عزّ اسمه هو الواضع الحكيم بحسب الحقيقة ، وهذا أيضا ليس بتمام ، وعلى فرض تماميّته إنّما يتمّ فيما إذا كان وضع الألفاظ لمعانيها من الامور الدفعيّة في مرّة واحدة وفي زمان واحد.
ولكنّ الحقّ والإنصاف أنّ الأمر يكون على خلاف ذلك بحسب الحقيقة.
بيان ذلك أنّ سعة دائرة الوضع وضيقها تابعة لسعة دائرة الغرض وضيقها ، وتقريب ذلك أنّ من الواضحات غير الخفيّة على كلّ أحد أنّ الغرض من الوضع يتلخّص في التفهيم والتفهّم ، بمعنى أنّه لا غرض في اعتبار وضع الألفاظ لمعانيها إلّا أن يتفاهم بها عند الحاجة من ناحية إبراز المعاني التي تكون مطلوبة للمتكلّم والسامع بها إذا اختلج في ذهنهما في المحاورة بالسهولة ، دفعا لاختلال النظام في عالم العيش وحفظا لمسيرة حياتنا الماديّة والمعنويّة نحو الكمال المطلوب.
__________________
(١) انظر تفسير البيان : ٥٢٧.