ومن الظاهر والبديهيّ أنّ كمّية الغرض الداعي إلى وضع الألفاظ لمعانيها تختلف من حيث السعة والضيق بمرور الزمان والعصور في توارد الليالي والأيام.
ومن المسلّم أنّ العصور الاولى كعصر آدم ـ على نبيّنا وآله وعليهالسلام ـ كانت الحوائج المبتلى بها في نهاية القلّة ، ولأجل ذلك كانت الحاجة أيضا إلى وضع الألفاظ في نهاية القلّة بإزاء المعاني ، لندرة الحوائج في ذلك الزمان وعدم دعوة الداعي المقتضي للوضع إلى أزيد من ذلك. ولكن مرور العصر والزمان وحدوث الابتلاء بوجود الحوائج الزائدة ـ في مرور الأيّام مرّة بعد اخرى وقرنا بعد قرن في الأزمنة المتمادية ـ صار موجبا لازدياد الحاجة إلى الوضع ، كزماننا هذا.
فعلى هذا التقريب انقدح لك إمكان الوضع لجماعة من أهل اللسان ، كما لا يبعد الإمكان لشخص من أهل المحاورة واللغة على وضع الألفاظ المتكثّرة للمعاني المتعدّدة في مرور العصر والزمان ، إذ سعة الوضع وضيقه تتبع مقدار حاجة الناس في المحاورات إلى البيان والتعبير عن مقاصدهم في مقام التخاطب والتفاهم من حيث السعة والضيق.
فبما أنّ مرور الزمان يؤدّي إلى سعة الحاجة وزيادة الحوائج وكثرتها ، فلا محالة يترتّب عليه ازدياد الوضع بما له من سعة ليندفع به الابتلاء ويسهل قضاء الحاجة عند التخاطب والتفاهم في المحاورات الدارجة المستحدثة لأبناء أهل كلّ عصر ومصر.
فانقدح بذلك التقريب إمكان القيام بالوضع لكلّ أهل المحاورة ، فيصحّ إسناد عمليّة الوضع إلى أهل تلك المحاورة واللغة بلا فرق بين عصر وعصر آخر ، وبلا فرق بين كون الواضع واحدا منهم أو جمع كثير.
وملخّص الكلام في ذلك الميدان ينتهي إلى أمرين لا بدّ لنا من الإشارة إليهما :